الوضع الأمني والجهادي في العراق انحرافات خطرة وآمال قريبة / عبد الرحيم الشمري
التاريخ:19/03/1428
العصر / أربعة أعوام مرت على الحرب الصليبية على العراق، والتي شنتها الولايات المتحدة الأميركية ومن تحالف معها من صليبيين ونفعيين من كل حدب وصوب، اجتمعوا لقتال المسلمين، مصداقا للحديث الذي رواه ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها) (حديث صحيح) ..
أربعة أعوام عجاف، أهلكت الحرث والنسل، وأضرت بشعب حُرم أدنى مقومات الحياة ... خاصة في مناطق أهل السنة، الذين تسلطت عليهم شرور، تزول من هولها الجبال الراسيات ...
فخطة بغداد الأمنية شرّقت بالعراقيين وغربت وغيرت الكثير في الواقع الأمني العراقي، ولا يمكن بحال إنكار منافع جناها أهل السنة من هذه الخطة، مع ما فيها من مساوئ وشرور، فتقييد حركة الميليشيات، رغم وجود خروقات كبيرة بين الحين والآخر، أعطى متنفسا لأهل السنة، ليتحركوا في مناطق كانوا قد هجروها بالكلية أو انحازوا بعيدا عنها، خوفا من الميليشيات، وكذلك إقامة قواعد للاحتلال في مناطق شيعية لم يسبق لها أن لاقت معاملة الأعداء منذ أربعة أعوام، كمدينة الثورة (الصدر)، ومناطق كالبنوك والشعب والحرية والشعلة وغيرها، حيث استوطنت قوات الاحتلال في تلك المناطق، واتخذت في بعضها قواعد، بعد أن حصلت على تعاون ملحوظ جدا من القيادات الشيعية، لتغيير سياستها حاليا وإخفاء ملامح ميليشياتها إلى درجة كبيرة، تلك المناطق التي تعودت مغازلة قوات الاحتلال لها، وعدم الجدية في ملاحقتها حتى هذه اللحظة، إلا أن مجرد منع المعالم الظاهرة للميليشيات، يعتبر مكسبا كبيرا لأهل السنة على المدى المنظور.
ومن هذه القواعد، قاعدة (FORD)، التي اتخذتها قوات الاحتلال في مركز شباب البنوك للرياضة في حي البنوك الملاصق لمدينة الثورة، وكذلك قاعدة (kalahan) في مدخل الصليخ في مبنى الأسواق المركزية مقابل مؤسسة الدفاع المدني ..
والنية قائمة لإقامة قاعدة في مدينة الصدر معقل جيش المهدي .. بينما تستمر عمليات اعتقال الكثير من قيادات جيش المهدي، فقبل أقل من أسبوع، تم اعتقال أحد أبرز قياديي جيش المهدي من زعماء فرق الموت الطائفية، وهو حسن يطان الملقب (أبو زهراء) في منطقة البنوك، بعد مطاردة لعدة أيام، انتهت بإلقاء القبض عليه في منزل له هناك، تبع ذلك في يوم الأحد الماضي 24/3/2007م، إلقاء القبض على قيادي آخر من جيش المهدي أيضا، هو المدعو وسام حكومة، كما يطلق عليه عوام الشيعة الخاضعين لسيطرته، والملقب أيضا (أبو درع)، تيمنا وتشبيها له بأبي درع السفاح الشيعي المعروف، الذي تبنى الجيش الإسلامي في العراق القضاء عليه في مدينة بلد شمال بغداد .. والكثير من القادة الميدانيين والمسئولين المباشرين لعصابات الموت ..
إلا أن أحدا منهم لم يظهر حتى الآن، ولو لمرة واحدة في وسائل الإعلام، ليعترف بجرائمه ضد أهل السنة، كما يجري في برنامج قناة العراقية الحكومية (الإرهاب في قبضة العدالة)، كون العدالة في مفهوم الحكومة العراقية هو (العدالة الشيعية) لا القضاء والقانون.
ومن محاسن هذه الخطة أيضا، الانتشار الكبير لقوات البشمرة الكردية في شوارع بغداد، وهي قوات موالية للاحتلال، وفي تأريخها بصمات السوء والغدر بأهل الدين والدعاة، وكذلك العرب سنة وشيعة، وهي فصيل مسلح، مبني على أساس عنصري قبلي وميول شيوعية إلحادية واضحة ... إلا أنه في الوقت ذاته ينزع إلى انتماء مذهبي سني، يشكل بالتالي نوعا من الموازنة مع طائفية قوات الأمن والجيش العراقيين .. مع أن البشمرة لا يوالون أصلا أي ميليشيا أو مجموعة مسلحة سنية.
وقد انتشرت هذه الميليشيات الكردية بشكل جيد وسط بغداد خاصة، وأخذت دورا في عمليات قوات الاحتلال ضد المناطق الشيعية ... وهو بالتالي نوع من الشر يُخَفَفُ به الشر، مصداقا لقوله تعالى ((وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ)) الحج 4.
وقد أدت التحركات الأمنية الأخيرة تجاه النفوذ الشيعي غير المنضبط، والخارج عن القانون عبر مجموعة مظاهر، كالميليشيات، والتغلغل الأمني الخطر، والسيادة المطلقة على أجهزة الدولة، وخاصة محافظات الجنوب، والسيطرة على الملفات السياسية والاقتصادية كافة، وتخلف القيادات الشيعية عن الحكمة في الإمساك بالعصا من وسطها، بل الميل بقوة وصراحة باتجاه المصالح الشيعية والإيرانية خاصة .. أدت إلى انحسار المد الشيعي ولو بشكل مؤقت، وفتح الباب أمام حلول بديلة لم تكن قد طرحت على مستوى جدي، وعلى رأسها، حكومة الظل بقيادة إياد علاوي .. الزعيم الأقرب لطريقة صدام حسين في الحكم في الدكتاتورية والحزم وضعف الميل الطائفي، ولكن مع انصياع تام للمحتل الأميركي، وممارسة كاملة لحيل السياسة ودهائها، مع الرغبة الشديدة في استعادة مكانته التي لم تحفظها له مرجعيته الشيعية، التي ينتمي إليها كشيعي، أو الفارسية التي ينتمي إليها ككردي فيلي إيراني الأصول ..
إضافة إلى أنه أثبت، عبر معركته مع التيار الصدري إبان حكمه للعراق كرئيس وزراء الحكومة غير المنتخبة الأولى، استعداده لمقاتلة الشيعة، مع أنه لم يوقع بهم عُشر معشار ما أوقعه بأهل السنة حينها، حتى إن علاوي هو المؤسس الأول للقوات الطائفية واستمداد ساسة العراق الجدد البركة من المرجعية والتعويل عليها.. وأول من أطلق الحرب علنا على ما يسمى بالسلفية الجهادية.
لكن الشعب العراقي بعد أن جرب ويلات الميليشيات والأحزاب الشيعية ـ إيرانية الولاء والطاعة ـ وسفاهة تنظيم القاعدة وسفكه الدماء وهتكه الأعراض والحرمات، وسكوت باقي فصائل الجهاد عليه، إلا بردود محدودة لم تحفظ للناس دينهم وكرامتهم، بدأ يرضخ فعليا لأي حلول بديلة تُطرح من قبل قوات الاحتلال أو الحكومة الموالية لها .. وهذه إحدى أخطر المراحل التي تواجه أهل السنة بخصوص مشروعهم الكبير في توحيد صفوف المجاهدين والعودة لحكم مناطق أهل السنة، والتمهيد لمرحلة سياسية جديدة يسترجعون فيها مكانتهم، ولو في مناطق أهل السنة حصرا.
أما الشق الأعظم في المرحلة الراهنة، فهو الحرب التي شنها تنظيم القاعدة بعد إعلانه دولته على كل منطقة تصل إليها يده من مناطق أهل السنة، والدخول في معارك مع العشائر وبعض الفصائل أيضا، أو قواطع محددة من كافة الفصائل.
وقد استثمرت قوات الاحتلال حالة البغض الشديدة، التي تسود أوساط أهل السنة وعشائرهم ضد تنظيم القاعدة، لدخول معارك حاسمة ضده، بعد أن تحيدت فصائل الجهاد في أي هجوم من قبل أي جهة ضد تنظيم القاعدة، ولم تعد تشارك في التصدي له، مادام يرتكز ضد تنظيم القاعدة، الذي يعلن ردتها وعصيانها، ويقاتلها ما استطاع غيلة وعلانية في بعض الأحيان ..
ومن أمثلة استغلال قوات الاحتلال لهذا الأمر، معاركها التي طردت فيها أفراد تنظيم القاعدة من ذراع دجلة وإبراهيم بن علي والبو علوان والرمة وبني زيد والقراغول ومحامدة الذراع (المصالحة) ... في قاطع كبير يشمل مناطق شمال غرب بغداد (خارج)، وهو عقر دار القاعدة، بعد أن طُردت من اليوسفية، ومن ثم الرضوانية على يد العشائر بمساعدة غير مباشرة من الجيش الإسلامي، ومن ثم لجأت إلى الزيدان، فطُردت من معظمها، وأُحرج وجودها في دويليبة على يد كتائب ثورة العشرين، فانتقلت إلى ذراع دجلة والرمة، مستغلة بعض التفكك الذي أصاب جيش المجاهدين لفترة محدودة، بدأت قيادة الجيش في تجاوزها مؤخرا وبقوة .. ولا وجود قط لتنظيم القاعدة الآن في هذه المناطق أبدا .. كما حدث في هيت أيضا.
وقد ضاعف تنظيم القاعدة في الأيام الأخيرة من جرعات الضغط على مناطق أهل السنة، واستهدف عشيرة زوبع تحديدا، بعد أن وقفت ضد وجوده في قراها ومناطقها غرب بغداد خاصة، فقام بقصف عدة قرى في زوبع بالهاونات، وأحال حياة الناس فيها إلى جحيم، وعلق رؤوس المعدومين بـ (النارات)، التي يستعملها القصابون، وتجاوز ذلك إلى فرض زيجات إجبارية لأمرائه العرب على أهالي المناطق الخاضعة لنفوذه, وفي 23/2/2007م، فجر صهريجا محملا بالكلور وسط سوق شعبي بالقرب من مدينة الحبانية بعد صلاة الجمعة، عندما انتقد خطيب مسجد هناك تنظيم القاعدة وإساءته للمسلمين، مما أدى إلى تدمير المسجد وقتل 45 شخصا وجرح 110 آخرين، وكانت هذه بداية ضد حرب من يسمون بالطوائف الممتنعة، ففي المجمع السكني لعامرية الفلوجة، فجر انتحاري نفسه داخل شاحنة، كان يقودها محملة بقناني غاز الكلور يوم الجمعة 16/3/2007م عند نقطة تفتيش تابعة للشرطة، فقتل ثمانية وأصاب 350 شخصا من سكان المنطقة بإصابات مختلفة، اختناقا بالمادة السامة، وقد حصل التنظيم على الكلور من مصنع للكلور في أبو غريب، وكذلك فعل انتحاري آخر في الفلوجة في نفس الوقت، قرب مضيف الشيخ خميس الحسناوي، قُتل من جرائه شخصان وأصيب ستة آخرون اختناقا أيضا جميعهم من أسرة الشيخ الحسناوي .. بينما تلوثت المنطقتان على مدى كبير جدا، وانتقلت الأبخرة السامة على مسافة خمسة كيلومترات من نقطتي الانفجاريين.
ثم أصدر تنظيم القاعدة بيانا، زعم فيه أن قوات الاحتلال هي من اعتدى على المنطقة، وزعم أيضا أنه حرر رهائن مدنيين سقطوا بيد أهالي المنطقة من شرطة عشيرة البو عيسى، والحقيقة أن تنظيم القاعدة أعلن كفر وردة أهالي المنطقة، وأقام حصارا عليها، لم ينقذ أهلها منه بعد الله عز وجل إلا أبناء عشيرة البو عيسى، بعد أن مر نحو أسبوع على حصار المنطقة وضربها بالكلور، وتخاذل بعض فصائل الجهاد عن إنقاذ المدنيين خشية الاصطدام بتنظيم القاعدة.
أما في تصفية الخصوم، فقد اغتال تنظيم القاعدة السيد مظفر العاني نائب رئيس المجلس البلدي في مدينة الأعظمية السنية وسط بغداد، وأحد قادة الجيش الإسلامي المشهود لهم بالجهاد طيلة سنين الحرب الماضية، والذي أعاد البنية التحتية للمدينة، ولم يتصدى لهذا المنصب إلا برغبة من أهلها وعامة فصائل الجهاد، مع اثنين من حراسه أثناء خروجه من منزله في 14/3/2007م، ثم اغتال تنظيم القاعدة في 25/3/2007م براق جاسم العود، نجل شيخ عشيرة زوبع لدى مروره في (شارع 60) بحي 17 تموز في محافظة الموصل، ثم قتل حارث ظاهر الضاري في أبو غريب في 26/3/2007م، وهو أحد مساعدي الشيخ الضاري أمين عام هيئة علماء المسلمين والمقربين له وابن عمه، وأحد أكبر قادة كتائب ثورة العشرين ..
وحاول قبلها اغتيال نائب رئيس الوزراء العراقي سلام زم الزوبعي بعد صلاة الجمعة 23/3/2007م في مصلى داخل بيته عن طريق انتحاري يرتدي حزاما ناسفا، مما أدى إلى أصابته إصابة خطرة ومقتل شقيقه عبد الرحمن الزوبعي ونائبه لشؤون الجنوب (مفيد عبد الزهرة) وسكرتيره وأربعة من مرافقيه وإمام المسجد، وتبنى تنظيم القاعدة العملية في بيان رسمي، رغم أن موقف باقي فصائل الجهاد يرتكز على عدم التعرض للسياسيين السنة أيا كانوا، لأن في تصفيتهم إضرارا بأهل السنة، ما داموا غير مقاتلين لأهلهم، وأن من مصلحة إيران والصفويين فقط تصفيتهم
وكذلك الأستاذ عبد الرحمن العاني المستشار الهندسي لرئيس ديوان الوقف السني، وأربعة من أفراد حمايته أثناء خروجهم من داره الكائن في الاعظمية في 26/3/2007م، والشيخ عبدالعليم سعيد الجميلي وأخوه عبدالستار سعيد الجميلي (أخوي الشاعر الإسلامي المعروف محمد سعيد الجميلي)، حيث قتلا في كمين للقاعدة وهما في طريقهما إلى المسجد لأداء صلاة المغرب في عامرية الفلوجة، أما في مدينة الفلوجة ذاتها، فقد اغتال تنظيم القاعدة عضو مجلس علماء المدينة، أحمد سرحان الراوي عندما كان داخل سيارته في حي الجمهورية، ليلتحق بالشيخ حمزة عباس مهنا العيساوي مفتي الفلوجة الذي اغتيل في 2005م من قبل أعضاء في القاعدة وهم يكبرون .. الله أكبر .. الله أكبر!! بينما غادر مدينة المساجد (الفلوجة) أكثر من 45 إماما وعالما إلى خارج العراق.
وفي تلعفر، كان لأهل الموصل موعد مع مذبحة مزدوجة، بدأت بفتنة صنعها انتحاري من القاعدة، دخل إلى حي شيعي، يقع ضمن منطقة محاصرة من قبل الشرطة الشيعية في المدينة وعناصر من تنظيم القاعدة منذ خمسة أشهر، فكدس في شاحنته، نوع (سكانيا قاطرة ومقطورة) كمية من الدقيق، تستقر تحتها أربعة أطنان من المتفجرات، فلما اجتمع حولها الناس فجرها، وكذلك فعل انتحاري آخر قريبا منه، فدمرا نحو مئة منزل وقتلا نحو 85 شخصا وأصاب 183 آخرين وقيل أكثر ..
فما كان من شرطة المدينة إلا أن هاجموا أهل السنة المدنيين، الذين لا ذنب لهم في هذه الجريمة النكراء، وأخذوا يقتلونهم في الشوارع والبيوت، فكانت نتيجة ذلك مقتل 70 شخصا وجرح 30 واختطاف 40، لم يعثر لهم على أثر، فهم لا شك قتلى، وربما تعرضوا على عادة الميليشيات الشيعية إلى التعذيب والتثقيب، بينما صرحت الحكومة بكل وضوح، أنها أطلقت سراح 13 من أفراد الشرطة المتورطين بعمليات الإعدام الجماعية في أهل السنة، بحجة أنهم منهارون نفسيا، وأن لديهم قتلى سيشيعونهم!
كل هذه الأحداث مجتمعة وحالة الانهيار التي يمر بها العراق باستمرار، دفعت فصائل الجهاد في العراق إلى مراجعة واقعها والمخاطر التي تواجهها جميعا، خاصة بعد أن كشر تنظيم القاعدة لها عن أنيابه، وقتل من قادتها من قتل، وعمل على تفريقها طيلة أربعة أعوام الماضية، فبان لهذه الفصائل أنه أراد من تفرقها، تسلطه واجتماعها تحت رايته، لا مصلحتها ومصلحة الجهاد في البلاد ...
فقررت الالتقاء والاجتماع تحت راية واحدة مجاهدة جهادا شرعيا صحيحا، يقره علماء الأمة وكبار الأئمة، تصلح أن تكون راية حاضنة لعامة أهل السنة، ومؤهلة لقيادتهم وإخراجهم من مأوق، ضيقه عليهم خصومهم من صفويين وصليبيين وسفهاء مارقين. هذا المشروع الكبير، الذي تشارك فيه عدة فصائل مجاهدة، ومر عبر عدة لقاءات بين أكبر قياداتها، وصل إلى مرحلة متقدمة جدا، وهو قاب قوسين أو أدنى من إعلانه.
وقد شمل في مرحلته الأولى الجيش الإسلامي، وهو حتما أكبر فصيل جهادي في العراق، إلا أنه بحاجة ماسة إلى متابعة كافة قواطعه وكتائبه القتالية والإعلامية والشرعية، قبل أن يعلن هذا الإعلان الهام، بعد أن حصلت تداخلات بينه وبين تنظيم القاعدة، فانفلتت منه بعض المجاميع وانضمت إلى القاعدة، بينما التحقت به مجاميع أخرى جاءته من القاعدة، خاصة في شمال وجنوب بغداد، وكذلك جيش المجاهدين، الذي تعرض لبعض الانقسامات، التي نتوقع تجاوزها خلال الأيام القليلة القادمة، وقد عقدت قيادته العزم على تحمل مسؤوليتها في ذلك، ولمّ شمل من انفلت عنها، وقد سمعنا من بعض المنشقين كل خير، وكذلك جماعة أنصار السنة، التي دخلت عبر هيئتها الشرعية كاملة، بشيوخ العلم وأميرها الشرعي وأمير التنظيم ومن التف حولهم من قادة القواطع والمناطق، عدا قلة قليلة من المتشددين الأقرب وصفا إلى تنظيم القاعدة، ومنهم زعيمها الغائب منذ زمن بعيد والأكثر تشددا حتى من تنظيم القاعدة نفسه .. وبدأت فعليا بتوزيع وثائق الوحدة بين قواطعها ... ويترقب آلاف المجاهدين ساعة الصفر، التي انتظروها منذ سنين، لمكر أُريد بهم من قوات الاحتلال والحكومات الشيعية المتتالية وتنظيم القاعدة بأجندته المعروفة، ليلتحق الكثير منهم بالفصيل الجامع الجديد، الذي لن يطول به العمر لتذوب كل الفصائل فيه ...
فكتائب ثورة العشرين بشقيها، وجيش الراشدين وجيش الفاتحين وعصائب العراق الجهادية، راغبون، وقد أبدوا استعداهم فعليا للانضمام إليه .. بل إن من قادة الفصائل الكبرى، من قال لإخوانه والله حسيبه في ما قال: "أذهبوا وأتموا اتفاقكم ثم آتوني، فخذوني ومن معي، فإنا لا نفاوض في جيش للمسلمين، بل نحن بإذن الله جنده" .
الأمر الذي بدا واضحا في كلمة أبي زيد خالد المشهداني (المكنى أبو عمر البغدادي) الأخيرة، والمسجلة بعنوان (نصر من الله وفتح قريب)، كما جرت العادة بصوت محارب الجبوري، المعلن أنه وزير إعلام الدولة المزعومة، والذي ركز على نقد فصيلين .. الأول، أسماه حزب الله السعودي، ويقصد به الفصيل الجديد، الذي يعلم أنه لا ينوي أن يصطدم بمصالح دول الجوار، ولا يقحم نفسه في ما لا طاقة له به من معارك خارج حدود العراق، ويريد تحرير البلاد والعباد...وأما الثاني، فهو الجيش الإسلامي، الذي نعته البغدادي بوصف صريح، أراد به جرحه، وتقديم المعركة معه في مرحلة أولية، قبل إعلانها لتصبح واقعا تتناقله الأخبار قبل البيانات الرسمية، وسلط على الجيش الإسلامي سفهاءه، ليروجوا أخبارا كاذبة عن انقسامه، وأن الفصيل الجديد الذي أطلق على نفسه (حماس) منفصل عنه .. بينما الجيش الإسلامي أكثر فصائل العراق تماسكا وقوة وأكبرها حجما، وله قبول جماهيري كبير، وقد بايعته على الحق أغلب العشائر العراقية، التي اختارت الجهاد في سبيل الله .
وفي إعلان الفصيل الجديد قريبا بعون الله تعالى تغيير للساحة العراقية بطولها وعرضها، وتحول في سياسة أهل السنة، تعتمد الفصل بين الحرب ضد المحتل الصليبي وأعوانه وحياة عامة أهل السنة، الذين كانوا ولا زالوا المتضرر الأكبر، ولابد أن تعود إليهم حياتهم، بينما هم يجاهدون عدوهم ..
والتحرير قريب كما يراه من يعرف الشأن العراقي بتفصيله، وخروج المحتل من مدن أهل السنة أضحى قاب قوسين أو أدنى، لا يمنعه إلا مخالفات بعض المتشددين المخالفين للكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة، الذين يظنون أن الجهاد هو جر العدو إلى بيوت المسلمين، وجر البلاد إلى فتن كقطع الليل المظلم.. يخوض فيها الجاهل والفاجر والحاقد وصاحب الهوى على حد سواء، فيشيع القتل وهتك الأعراض والحرمات ويقتل الناس بغير بينة لأنهم فقط .. "يبعثون على نياتهم" ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فقريب يتحقق أمل العراقيين السنة ليستعيدوا عافيتهم، وينفضون عن أنفسهم غبار الأزمة، ويجنون ثمار جهادهم وتضحياتهم "وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" الروم 4.