لطائف المعارف ( أحمد شوقي و حافظ ابراهيم)

بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله ، عليه أفضل الصلوات واتمّ التسليم .
سنزدلف هذه المرّة من لطائف المعارف إلى عالم الأدب والشعر .
ولإن كان الفرزدق وجرير رمزين كبيرين لشعراء العصر الأموي ، كما كان البحتري والمتنبي وأبي تمّام رموز عظيمة للشعر العباسي ، فإن أحمد شوقي ، وحافظ إبراهيم رمزان كبيران للشعر العربي المُعاصر .
في هذا الموضوع سنعقد شيئاً من المقارنة ، بين هاذين الشاعرين الكبيرين .
أحمد شوقي أيها المباركون جملةً نقول كلمة واحدة .
(( لو أنه قُدِّر أننا نختار ممّن خلقهم الله ، ناس نالوا أمانيهم شبه كاملة بالدنيا لكان شوقي واحداً منهم ))
شوقي نشأ في فمه ملعقة من ذهب ، نشأ في بيت الخديوي إسماعيل .
ولذلك قال :
أأخون إسماعيل في أبنائه ...ولقد ولدتُّ ببابِ إسماعيلَ
نشأ شوقي صغيراً عيناه تصعدان إلى أعلى - ينظر إلى الأعلى كثيراً - وعالجوه وقد جاءو بجنيهات ذهب تبرق وجعلوه يلعب بها ، وهذا دفعه إلى أسفل فاعتدل بصره .
هذا الرجل أوتي حظاً كبيراً من الحياء ، ولذلك لم يستطع يوماً أن يُلقي شعره ، كان يكتبه وغيره يُلقيه ، وأما هو لا يستطيع ان يلقي قصيده ذلك بما فيه من الحياء ، ومع ذلك أبدع في كل فن ، وأجاد في كل غرض ، وتحقّق في كل غاية .
أما حافظ إبراهيم فهو معاصر لشوقي إلا أنه مات قبل شوقي بعام أو عام ونصف على وجه التقريب ، وسنذكر هذا بعد الإنتهاء من شوقي .

شوقي رحمة الله عليه ، له أبيات ( هي للكفر أقرب منها للإيمان )) .
كقوله في رثاء مصطفى كامل زعيم الحزب الوطني المصري ، وهو صديق لشوقي مقرّب .
ولجأ شوقي إلى الغلوّ في الشعر فقال :
والقصيدة مطلعها .
المشرقان عليك ينتحبان ...قاصيهما في مأتمٍ والداني
ثم قال :
مصر الأسيفة ريفها وصعيدها ...قبرٌ أبرٌ على عظامك حاني
أقسمت أنك في التراب طهارةٌ ...ملكٌ يهاب سؤاله الملكانِ
وشوقي أيضا هو القائل :
رمضان ولّى هاتها ياساقي ...مشتاقةٌ تسعى إلى مشتاقي .
ونحن قدّمنا لك بالأسوء حتى نزدلف إليك بالأحسن .
لكن شوقي له ثلاث قصائد ، في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ، عزَّ نظيرها وقلَّ مثيلها .
الهمزية ، والميميّة ، والبائيّة .
في الهمزيّة قال :
وإذا رحمت فأنت أم أو أبٌ ...هذان في الدنيا هما الرُحماءُ
وإذا ملكت النفس قمت ببرّها ..ولو أن ماملكت يداك الشاءُ
وإذا أخذت العهد أو أعطيته ...فجيمع عهدك ذمةٌ ووفاءُ
وإذا قضيت فلا إرتياب كأنما ...جاء الخصوم من السماءِ قضاءُ
وإذا بنيت فخيرُ زوجٍ عشرةً ....وإذا إبتنيت فدونك الأبناءُ
أنصف أهل القر من أهل الغنى ...فالكلُّ في دين الإله سواءُ
لو أن إنساناً تخيّر ملةً ...ما إختار إلا دينك الفقراءُ
يستاءلون وأنت أطهر هيكلٍ ...بالروح أم بالهيكل الإسراءُ
بهما سموت مطهرين كلاهما ...رَوْحٌ وريحانيّةٌ وبهـاءُ
.
.
قالي في القصيدة الميميّة في مطلعها :
ريمٌ على القاع بين الباني والعلمِ ...أحلّ سفكِ دمي في الاشهر الحُرمِ
إلى أن قال :
أخوك عيسى دعا ميتاً أقام لهُ ...وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ
إن قلت في الأمر لا أو قلت فيه نعم ...فخيرة الله في لامك وفي نعمِ
الله قسّم بين الخلق رزقهمُ ...وأن خُيّرت في الارزاق والقُسمِ
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكهُ ...والرُسْل في المسجد الأقصى على قدمِ
لمّا رأوك به إلتفّوا بسيّدهم ...كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلمِ
صلّى وراك منهم كل ذي خطرِ ...ومن يفز بحبيب الله يأتممِ
مشيئة الله الخالق البارئ وقدرتهُ ...وقدرة الله فوق الشك والتُهمِ
.
قال في البائيّة .
أبا الزهراء قد جاوزت قدري ...بمدحك بيد أن لي إنتسابَ
فما عرف البلاغة ذو بيانٍ ...إذا لم يتّخذك له كتابَ
مدحت المالكين فزدت قدرا ...فلمّا مدحتك إجتزت السحابَ .
صلوات الله وسلامه عليه .
.
وأنتم أيها المباركون المنصفون ، مدركون أن هذه الأبيات عزَّ نظيرها وقلَّ مثيلها ، وهي شرفٌ لشوقي حينما يمدح النبي عليه أفضل الصوات واتمّ التسليم .
.
.
تجري بين الشعراء مواقف .
ويقولون إن صحّة الرواية ، أن شوقي وحافظ إجتمعا يتداعبان شِعرا ، فقال حافظ :
يقولون إن الشوق لوعٌ وحرقة ...فمالي أرى شوقي اليوم باردَ
فشوقي الثانية يقصد بها حافظ أحمد شوقي .
فردَّ شوقي على حافظ بقوله :
أودعتُ إنساناً وكلباً وديعةً ....فضيّعها الإنسانُ والكلبْ حافظُ
تأتي حافظ في البيت أن الكلب مازال حافظ للوديعة ، واكنه أراد أن يذمَّ حافظ .
.
شوقي رحمة الله عليه له لاميّة شهيرة .
قم للمعلّم ووفّه التبجيلا ...كاد المعلّم أن يكون رسولا
وأخذ يمدح المعلمين .
.
لشوقي أبيات جرت مجرى الحكم كقوله :
دقّات قلب المرء قائلةٌ له ...إن الحياة دقائقٌ وثوانِ
......
يظهر إليكم أيها المباركون أنني أخفيت حافظ .
لكن حافظ إبراهيم له العُمريّة وكفى ، لو لم يكن لحافظ إلا العُمريّة لكفاه .
والعُمريّة قصيدة قالها حافظ في مدح أمير المؤمنين - عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وقال فيها :
حسب القوافي وحسبي حين أُلقيها ...أنّي إلى ساحة الفاروق أُهديها
لاهمَّ هب لي بياناً أستعين به ...على قضاء حقوق نام قاضيها
.
ثمّ أخذ يذكر قضايا تاريخيّة يوظّفها شعراً .
وأخذ يصف موقف لعمر رضي الله عنه ، وهو أن عمر ذات يوم مرّ على بستان فيه شباب من الأنصار وجدهم فيه يشربون الخمر ، صعد الحائط ثم دخل عليهم وعاتبهم ، فقالوا له :
ياأمير المؤمنين جئنا بواحدة - وهي السكر - وجئتنا بثلاث.
تسوّرت ، وتجسّست ، ولم تستأذن .
وقال حافظ يصوغ هذا الموقف شعراً :
وفتية أولعوا بالراحِ وانتبذوا ...لهم مكاناً وجّدوا فيه تعاطيها
ظهرت حائهم لمّا علمت بهم ...والليل معتكر الأرجاء ساجيها
قالوا مكانك ، قد جئنا بواحدةٍ ....وجئتنا بثلاثٍ لا تباليها
فأتِ البيوت من الأبواب ياعمر...فقد يُزنُّ من الحيطان آتيها
ولا تجسّس فهذه الآي قد نزلت ...بالنهي عنه فلم تَذْكُر نواهيها
فعدت عنهم وقد أكبرت حجّتهم ...لمّا رأيت كتاب الله يُمليها
.
.
له أبيات مثل شوقي جرت مجرى الحكم من أشهرها كقوله :
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها ...أعدتَّ شعباً طيب الأعراقِ
.
مات حافظ قبل شوقي ، وقبل ذلك بويع شوقي إمرة الشعر ، وكان حافظ سليم الصدر وأوّل المُبايعين .
قال حافظ في أمير الشعراء شوقي :
أميرُ القوافي قد جئت مُبايعاً ...وهذه وفود الشرق قد بايعت معي
.
قدّر الله مات حافظ قبل شوقي ، فرثاه شوقي وقال :
ياحافظ الفُصحى وحارس مجدها ...وإمام من نجبت من البلغاءِ
هنا شوقي ندم بشدّة ، على أن حافظ مات قبله ، والسبب في ذلك - بنظر شوقي - أن حافظ وجد من يرثيه ، وشوقي يعلم أنه لايوجد أحد له صدى بالشعر يمكن أن يرثيه إذا مات شوقي .
هذا ماتيسّر إيراده ، وتهيّأ إعداده ، حول رمزين كبيرين من رموز الشعر العربي .
صلّى الله على محمدٍ وعلى آله والحمد لله رب العالمين .


منقووووووووووووووووووول

آستمتعت بالقرآءه لتلك الآسطر
توليب شكرآ لك على الآختيآر.. ودمتِ ودآم عطآءكِ..

موضوع ممتع ورآئع..

عآفآك ربي ع الطررح القمييل

مشكوره ع الطرح الرائع اخت توليب