الدكتور عبدد الرحمن العشماوي يجسد أسئلة ابنه زياد ذي الأحد عشر عاما الدامية وهي ذات الأسئلة التي تدور في خلد أكثر أطفال المسلمين يجسدها بهذه القصيدة المعبرة عن آلام وجراحات المسلمين
ابني يسائلني، والقلب مكتئبُ
إلى متى هذه الأحوال تضطربُ؟
إلى متى أمَّتي تبقى على جُرُفٍ
هارٍ يحاصرها الإعياء والتَّعَبُ؟
إلى متى يا أبي تبقى مَواجعُنا
ناراً من الحزن في الأعماق تَلْتَهِبُ؟
إذا نظرتُ إلى التِّلفاز أرْعبني
طوفان ظلمٍ، له في أرضنا صَخَبُ
وحين أصغي إلى الأخبار يُلْجِمُني
خوفٌ، له في حنايا مُهجتي شُعَبُ
فلست أسمع إلا صوتَ أمَّتِنا
تَئِنُّ، والمعتدي يسطو ويغتصبُ
ولست أُبصر إلاَّ وَجْهَ طاغيةٍ
لكلِّ فعلٍ من العدوانِ يرتكبُ
إذا نَظَرْتُ إلى الأقصى، رأيتُ يداً
للمعتدي، بدماءِ النَّاس تَخْتَضِبُ
وإنْ نظرتُ إلى آفاقِ غزَّتنا
رأيتُها بنقاب الحزنِ تَنْتَقِبُ
تَبيتُ في ظلمات الحزنِ، يهجرها
في ليلها المُدْلَهِمِّ البدرُ والشُّهُبُ
وإنْ نظرت إلى بغدادنا احترقتْ
أوراقُ صبري وأَوْرى زَنْده الغَضَبُ
ماذا أعدِّد من أحداث أمتنا
وكيف يَروي الأسى مأساة مَنْ نُكِبُوا؟!
إني لأسألُ نفسي: كيف تنفعني
هذي الدفاترُ والأقلامُ والكتبُ؟!
وكيف ينفعني تعليمُ مَدْرستي
وشمس إِحساسنا بالأمنِ تحتجبُ؟
وكيف أطمع في تحقيق أمنيتي
وأمتي خَلْفَ باب الذُّلِّ تنتحبُ؟!
أبي العزيزَ، أَجِبْني: كيف تحملني
رِجْلاي والدَّرْبُ فيه الخوفُ والرَّهَبُ؟!
أما ترى يا أبي آفاقَ أمَّتِنا
فيها الدُّخانُ، وفي أوطانها الشَّغَبُ
أموالُ أمتنا في الأرض سائحةٌ
ونحن عند فُتاتِ الحُزْنِ نَحْتَرِبُ
مستقبلي أيُّها المحبوب أرَّقني
أخاف ممَّن بنا في عصرنا لَعِبوا
بُنيَّ - مَهْلَك - فالدنيا لها خُلُقٌ
من التلوُّنِ، فيه الحالُ تنقلبُ
يضيع فيها مَنْ اغترُّوا بزينتها
ومَنْ على متنها نَحْوَ الرَّدَى ركبوا
في هذه الأرض أسبابٌ، مَن انصرفوا
عنها، فليس لهم في نَيْلِها أَرَبُ
فكم تَواثبَ قومٌ بعدما عثروا
وكم تعثَّر قومٌ بعدما وثبوا
وكم تمكَّن قوم بعدما انهزموا
وكم تضعضع قوم بعدما غلبوا
بُنيَّ ما زال في الدنيا لذي خُلُقٍ
مكانةٌ تتسامى عندها الرُّتَبُ
وما يليق بنا يَأْسٌ ونحن على
هَدْيٍ من الملَّةِ الغرَّاءِ نحتسِبُ
خُذْ يا بُنَيَّ بأسباب النجاح فكم
نال المجدُّون ما راموا وما طلبوا
صوتُ الهزيمةِ صوتٌ لا مكانَ له
عند المجاهدِ مهما زادتِ الكُرَبُ