"نظام الفصول التعليمية الثلاثة".. بين آراء المؤيدين وحجج المنتقدين ومتطلبات المستقبل
محمد عطيف
مع إعلان وزارة التعليم عن آلية الدوام في شهر رمضان القادم، وما صاحَبَ ذلك من نقاشات خصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي تناولت أيضًا موضوع نظام الفصول التعليمية الثلاثة الذي يتم تطبيقه لأول مرة في المملكة العربية السعودية؛ تبقى النظرة معلقة غالبًا بالرؤى الشخصية المتباينة لأصحابها؛ فيما تحسم المقارنةَ بين الميزات والسلبيات -وبعضهم يسمي الأخيرة "تحديات"- العواملُ المحددة لثقافة التقبل من عدمها.
"سبق" تستحضر وتعيد إلقاء الأضواء في هذا التقرير على نظام الفصول الثلاثة وجدليات النقاش حوله ما بين آراء المؤيدين وحجج المنتقدين، وبينهما المعطيات التي انطلقت منها وزارة التعليم لتطبيق هذا النظام:
استطلاعات
الإمارات العربية المتحدة واحدة من الدول التي كانت سباقة في تطبيق هذا النظام منذ سنوات عديدة، وربما هي أكثر مثال يستحضره المنتقدون في نقاشاتهم.
وفي استطلاعين لوسيلتين إماراتيتين كان عنوانهما الموحد تقريبًا: "هل تؤيد استمرار نظام الفصول الدراسية الثلاثة أم العودة إلى نظام الفصلين؟" كانت النتائج غير متفائلة.
ففي استبيان صحيفة "الإمارات اليوم" قال ٧٫٥٪ بأنهم يؤيدون استمراره؛ فيما طالب ٨٨٫٣٪ بالعودة لنظام الفصلين، وشارك في الاستطلاع قرابة ٥٣٬٩٩٢ صوتًا. وذكرت قراءة للاستطلاع أن السنوات التسع الماضية لم تكن كافية لإقناع الطلبة وذويهم والمعلمين بنظام الفصول الدراسية الثلاثة في المدارس.
وفي استطلاع قريب من ذلك لصحيفة "البيان" شَمِلَ 100 من أولياء الأمور والمعلمين والتربويين في مايو 2019م؛ أشار إلى أن 90% من أولياء الأمور والتربويين يؤيدون عودة نظام الفصلين الدراسيين؛ بينما ذهب 1% إلى أن هذا النظام ساهَمَ في زيادة الإجازات ولا يحتاج إلى تقييم؛ فالنتائج التي يحصل عليها الطلبة لا تختلف كثيرًا عن السابق.. وأن الاستشهاد بتجربة دولة ما قد لا تنطبق على دولة أخرى، والرد على ذلك قادم في ثنايا هذا التقرير.
أبرز ملامح النظام في التجربة السعودية
في أواخر مايو 2021م أعلنت وزارة التعليم السعودية الخطة المطورة الجديدة، التي تَضَمّنت تقسيم العام الدراسي إلى 3 فصول، كل فصل 13 أسبوعًا بدلًا من 36؛ تتخللها 12 إجازة أثناء العام الدراسي، بواقع 69 يومًا من غير إجازة العام الدراسي.
كما تضمنت الخطة زيادة عدد ساعات التعليم في المرحلة الابتدائية بواقع 176 ساعة إضافية، بنسبة زيادة 22%، وأشار وزير التعليم حينها إلى أن المقارنات مع الدول المتقدمة تعليميًّا تشير إلى وجود فجوة بين النظام التعليمي في المملكة وبين تلك الدول في عدد الأيام الفعلية للدراسة. ولعل مما يتصل بهذه الجزئية الإشارةُ إلى أن النظام ليس مبتكرًا، فهناك دول عديدة سبقت في العمل به مثل ألمانيا، والمملكة المتحدة، وسنغافورة.
حُجج المنتقدين
قبل أن نخوض في حُجج المنتقدين لهذا النظام، يمكن القول إنهم يواجهون -في المقابل- انتقادًا لاذعًا متمثلًا في أنهم يبحثون عن "أسباب الراحة" أكثر من مقومات تطوير التعليم وتحقيق الإنتاجية العالية. وهي تهمة ينفونها بحكم أنه قياسًا بدول قامت بتطبيق النظام من سنوات -حسب رأيهم- لم تتغير المُخرجات وفق المأمول، وأن أرقام التقدم هي تصريحات رسمية من جهات تعليمية، تنفيها استطلاعات لأولياء أمور ومتعلمين وحتى مشرفين تربويين يرون أن الأمر ليس كما يوصف.. كما ترى بعض الأصوات الأخرى في هذا المسار أن طول العام الدراسي يتطلب من الأسر موارد مالية أكثر، سواء في المصروف اليومي، أو متطلبات المدارس نفسها وما يكلف به الطلاب والطالبات.. ويمتلك المنتقدون حججًا يرون أنها واضحة ودامغة؛ مطالبين بتنفيذ استبيانات في واقع المدارس وبين أولياء الأمور.
سلبيات عديدة
ولعل ممن جمع أكثر الانتقادات الكاتب التربوي عبدالحميد الحمادي في تصريح نشرته "سبق"؛ حيث يرى أن وزارة التعليم وكأنها نظرت للكم والعدد متجاوزة أهمية مراعاة الجودة ونوعية التحصيل العلمي.
وأشار "الحمادي" إلى أن هذا النظام خسائره أكثر من مكاسبه من خلال عدة ملاحظات هي: تقليص فترة إجازة المعلمين التي كانت آخر المكاسب في عدم وجود مزايا مالية أسوة بغيرها من الوظائف الأخرى، وكثرة الإجازات القصيرة، وضيق الوقت؛ مما يؤدي لصعوبة شرح المناهج في وقت قصير، واتجاه المعلم؛ ليس للتلخيص أو الملخص؛ بل سيضطر لاعتماد الخلاصة، وصولًا لعدم قدرة المعلم على استخدام الاستراتيجيات لضيق الوقت، وأن سرعة الفصل الدراسي ستنعكس على انخفاض مستوى المخرجات وصولًا لعدم التوافق بين حجم المناهج وعدد الأسابيع الدراسية.
لم يدرس جيدًا!
هذا فيما يرى الخبير التربوي حمدان محمد الرفاعي في حديث للزميلة "الوطن" أن "قرار اعتماد الدراسة على ثلاثة فصول في السنة لم يُدرَس جيدًا، ولم تراعَ فيه الظروف المناخية للمملكة، مع عدم الاستفادة من تجارب الدول المطبقة لذلك، أو عمل استفتاءات عبر منصات الوزارة لأولياء الأمور والمعنيين بتنفيذ هذا القرار لأخذ آرائهم وإطلاعهم بشكل مباشر على التحول الجديد والمختلف للتعليم في المرحلة القادمة"؛ معتبرًا أن أولياء الأمور والمعلمين والطلاب سيواجهون تحديات صعبة، وعلى الوزارة العمل جيدًا على تهيئة البيئة القادرة على احتضان الطلاب لعام دراسي كامل بمختلف فصوله وأحواله الجوية.
نظام الفصول الثلاثة.. ميزات عديدة
في المقابل حَظِيَ هذا النظام بدعم كبير من جهة إصداره، وتعدد التصريحات التي تشرح ميزاته من قِبَل منسوبي الوزارة أو أكاديميين من جهات مختلفة.
يقول المشرف العام على مركز تطوير المناهج بوزارة التعليم د. سامي الشويرخ ضمن ندوة للشقيقة "الرياض" في يونيو 2021م: إن "النظام مرن ومريح عبر زيادة ساعات التعلم بطريقة ذكية"، كما أن النظام خاضع لأنظمة "إدارة المخاطر وخطط طارئة للتغيير"، معتبرًا أن تقسيم الفصول إلى ثلاثة فصول سيؤدي إلى زيادة عدد الإجازات وزيادة أيام الدراسة، "كما تم تقليل ساعات اليوم الدراسي مع زيادة عدد الحصص لمادتي الرياضيات والعلوم؛ لمواكبة التطوير الحاصل في العالم، وهذه المرحلة تعتبر المرحلة الأولى للتطوير وليست المرحلة النهائية".
ميزات وفرص
ومما يتصل بالميزات يرى أستاذ التربية العلمية د. فياض العنزي أن الدول التي تحولت أنظمتها التعليمية إلى ثلاثة فصول؛ استطاعت أن تحقق نتائج إيجابية في الاختبارات الدولية؛ مستشهدًا بتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة التي تحسنت نتائجها بعد تطبيق الفصول الثلاثة.
هذا فيما يرى الأكاديمي محمد حطحوط تحت عنوان "تسويق الفصول الثلاثة" أن للنظام مزايا عديدة منها أهمها زيادة عدد المواد؛ مما يعني انفتاح الطلاب على مقررات جديدة لم تكن متاحة من قبل، وثانيها فرص أكبر للطالب لرفع المعدل التراكمي، وأخيرًا سرعة انتهاء كل فصل بالنسبة للطلاب، وهذا يعني متعة أكثر في التعلم؛ نظرًا لاختلاف المواد وتنوعها، وقِصَر الفصل الدراسي.
أما د. فيصل الجمهور فيؤكد أن أغلب الأنظمة والمؤسسات التعليمية اتجهت إلى تقسيم السنة الدراسية لثلاثة فصول دراسية؛ معتبرًا أن النظام الجديد يركز أكثر على المواد الدراسية الأساسية التي تحتاج في تدريسها إلى ثلاثة فصول دراسية كاملة كالرياضيات والعلوم ومهارات القراءة والكتابة، وأن الطالب سيتقن أكثر في الاختبارات المحلية والدولية وذلك بسبب التركيز على العلوم الأساسية في التعليم".
فجوة الـ(4) سنوات:
عودة إلى مسؤولي وزارة التعليم. يقول الدكتور محمد البنيان مساعد المشرف العام على مركز تطوير المناهج: المراجعات أفرزت نتائج تتمثل في وجود فاقد تعليمي وفجوة بين سنوات السلم التعليمي وسنوات التدريس الفعلية بما يقارب 4 سنوات.. الآن نظام الفصول الثلاثة أتاح مزيدًا من الوقت لأيام التدريس؛ فكانت 36 أسبوعًا في الخطة الحالية وستصبح 39 أسبوعًا في الخطة المطورة.. هي علاقة متكاملة ومنظومة واحدة بين تطوير الخطط الدراسية والمناهج التعليمية والفصول الثلاثة.
تجربة الإمارات.. تختلف!
وحول تبني أنظمة تم تطبيقها في دول أخرى برغم انتقادات طالتها مثلما طال نظام الفصول الثلاثة في دولة الإمارات، سَبَق أن رَدّ المشرف العام على البرنامج التنفيذي لتطوير المسارات والخطط الدراسية والأكاديمية د. إبراهيم الحميدان -ضمن حديثه لندوة الرياض- أنه فيما ما يخص تجربة الإمارات؛ فدولة الإمارات تختلف عن المملكة العربية السعودية، معتبرًا أن النتائج تحسنت في كل الأحوال وأصبحت "الإمارات متقدمة علينا حسب القياسات بسنتين".
وأكد: "اليوم الدراسي في الإمارات 9 ساعات، وهذه فترة طويلة جدًّا أيضًا لديهم لتعارض العُطَل الدينية مع الدراسة، ومع ذلك فالتجربة لم تفشل، ونتائجها جيدة، وأصبح الطالب الإماراتي يُقبل في الجامعات العالمية كمنتج مختلف تمامًا. مضيفًا: "لكن المجتمع الإماراتي غير راضٍ عن بعض الأمور في النظام التعليمي لديهم؛ لأنها لا تتسق مع طبيعتهم المجتمعية، يوجد تجارب كثيرة ناجحة وكذلك يوجد تجارب غير ناجحة ولكل دولة خصوصيتها".
ويرى "د.الحميدان" أن المشكلة الحقيقية تتمثل في "انقطاع الطالب عن الدراسة 4 أشهر، ومع الأسبوع الميت قبل الدراسة وبعدها قد تصل الإجازة إلى خمسة أشهر فهذه المدة الكبيرة لانقطاع الطالب عن الدراسة كفيلة بمسح ما تَعَلمه الطالب خلال العام الدراسي؛ حيث يصل الفاقد التعليمي عند بعض الطلاب إلى 90٪ وهذه نسبة مخيفة".
خطط وبدائل
أخيرًا ومن خلال مسؤوليها والتصاريح التي أُطلقت بالتزامن؛ تراهن وزارة التعليم على هذه النقلة التطويرية رغم الانتقادات المتزايدة؛ مطالبة بمنح النظام الجديد الوقت المستحق ليحقق أهدافه مرحليًّا؛ مؤكدة أن هناك لجانًا تعمل بشكل يومي، وهناك خطط بديلة واستعداد لأي مخاطر أو تهديدات. وأن هذا التغيير العميق يستحق الصبر مع وجود حلول وبدائل مثل اللجوء للتعليم المدمج، والمنصات والتعليم عن بُعد، ومتفهمة أن التغيير من الطبيعي أن يواجه بالتشكيك وعدم التقبل أحيانًا. كما أنه على مستوى الطالب قد يواجه مشاكل في الاستيعاب وغيرها وهي -أي الوزارة- لديها خطط تعديل ومعالجة مستمرة.