أبواق الحملة ضد الفلوجة .. هكذا يغسلون العقل الجماهيري
تقارير رئيسية :عام :السبت ا شوال 1425هـ - 13 نوفمبر 2004 م
مفكرة الإسلام: أثار الهجوم الأمريكي ضد مدينة الفلوجة تعليقات الصحافة الغربية , ومع تعدد الآراء حول الهجوم اللاشرعي ضد الفلوجة ؛ ظل الهدف موحداً ومحل إجماع من معظم الأطياف الصحفية الغربية ؛ وهو تبرير الهجوم ونقل صورة وحشية للمقاومة تبرر السعي للقضاء عليها، ذلك الهدف الذي عبرت عنه بعض الصحف بشكل مباشر من خلال دعمها للهجوم الأمريكي الغاشم على المدينة، كاشفة عن الوجه الحقيقي للإعلام الغربي الذي يحاول أن يظهر حيادية فيما الوجه أكلح ، فقد ظهرت لدى الغالبية العظمى السمة المميزة لذلك الإعلام الموجه: 'دس السم في العسل'، تلك الوسيلة التي تحسن استخدامها لغسل عقول شعوبها وترسيخ ادعاءاتها المسمومة في أذهانهم.
وقد التقطنا هنا مثالاً لمقالين نشرتهما صحيفة 'لا راثون' الإسبانية خلال يومين متواليين هذا الأسبوع , وكان الاختيار مقصوداً لإحدى الدول الأوربية الخارجة ظاهراً من اللعبة القذرة في العراق , كمثال للأدنى دون الأعلى تشويشاً وكذباً وانتحالاً في الصحف الأمريكية ذاتها التي وإن كانت تدعي الحرية إلا أنها قد تتذرع ببعض العذر بأن بلادها في حال حرب , فما بال الإسبانية وقد جرت ذيول الخيبة ورحلت من العراق تمارس الوسيلة ذاتها والدجل عينه !!
كتبت الصحيفة في مقالها الافتتاحي تقول: بمجرد ظهور النتيجة الانتخابية الأمريكية وعقب عدة أشهر من المفاوضات غير المثمرة مع الثوار، بدأ أكثر من أربعة آلاف جندي أمريكي [كأن الطرفين مسؤولان عن فشل المفاوضات !! , وكأن الاحتلال قد حشد 4000 جندي فقط !!] مدعومين بوحدات من الجيش العراقي الجديد الهجوم على المعقل الرئيسي للمقاومة. وسوف يتم الاستيلاء على مدينة الفلوجة [تقرير يضرب بالقدر عرض الحائط] بيتا بيتا ولعل العواقب مخيفة بالنسبة للسكان الذين ظلوا عالقين داخلها.
ولكن هناك شيء قد تغير بشكل جوهري خلال هذه الأشهر الأخيرة وهو اقتناع جزء كبير من مواطني العراق بأنه ليس هناك مخرج أو مستقبل آخر من أجل استعادة سيادة دولتهم إلا مواجهة انتقال ديمقراطي وسلمي تلعب فيه انتخابات شهر يناير المقبل دورا رئيسيا.
ولازالت تعد رمزا [كأن الحديث يدور عن منظِّر ثورة أو زعيم سياسي له شعارات تستحق الوقوف عندها] تلك العبارة التي أخذ الرئيس علاوي نفسه على عاتقه توجيهها لقواته في نفس ساحة المعركة، والتي توضح أشياء كثيرة: 'إنهم لم يتركوا لنا خيارا آخر سوى الخيار الحربي' [وتلك قمة الدجل الذي يروج له علاوي وتحاول الصحيفة ترسيخه لدى القارئ] . ومن المؤكد أنه ليس كل من في الحكومة العراقية المؤقتة يوافقون على ملائمة الهجوم، [كأن الحديث عن شكل الهجوم لا شرعيته من الأساس!!] فهم لا يرون أنه قد يقضي على المنظمات الإرهابية التي استقرت في الدولة والتي تزرع الرعب من خلال الهجمات الانتحارية باستخدام سيارات مفخخة، [لمن تزرع هذه الرعب إن لم يكن للاحتلال وأعوانه , لكن المقال يوزع الرعب على كل العراقيين] فضلا عن أسباب أخرى، إلا أنه مما لاشك فيه أن السماح بوجود منطقة محررة من قبل الثوار، كما في حالة ما يسمى بالمثلث السني، يفترض التخلي عن المسؤوليات [الاحتلال هو المسؤولية والتمكين له هو كما تود الصحيفة أن تقول من خلال علاوي هو عين المسؤولية!!] . وقد يكون في غاية الصعوبة بالنسبة لعلاوي تفسير هذه السلبية لعائلات آلاف الشرطيين والمسؤولين والجنود الذين تم اغتيالهم في الشهور الأخيرة الماضية من قبل الثوار.
وليست النتيجة الحربية للمعركة مسارا للجدل، فسوف يتم الاستيلاء على الفلوجة أو تدميرها إثر التفوق الأمريكي الهائل، ولكن تكمن القضية في هل يُترجم ذلك النصر إلى مفاهيم إيجابية بالنسبة للسلام النهائي؟
ويبدو جليا في المقال ذلك الأسلوب السابق الإشارة إليه حيث دست الصحيفة ادعاءاتها على المقاومة وتبريرها للهجوم وترسيخ فكرة التفوق الأمريكي بين سطور تعاطفها مع أهالي الفلوجة ووصف معاناتهم وتساؤلها الأخير حول مدى أثر الهجوم في السلام النهائي، فإذا نظرنا إلى المقال نظرة مدققة نجد أن كل جملة تُبدي فيها الصحيفة تعاطف مع أهالي المدينة أو انتقاد للهجوم تسبقها جملة أخرى توجه بها القارئ إلى الادعاء الذي تود ترسيخه في ذهنه كما في الجمل المشار إليها بلون مختلف.
وبشكل مختلف واصلت الصحيفة استخدام نفس الوسيلة من خلال مقال آخر نشرته في اليوم التالي للمقال الأول شككت فيه في حقيقة الأنباء التي تتناقلها وسائل الإعلام حول معركة الفلوجة وتطوراتها.
جاء فيه: إذا وثقنا في المعلومات التي تذيعها بعض المحطات الإذاعية فقد نجد أن قوات الاحتلال الأمريكية تهاجم مدينة الفلوجة العراقية منذ شهرين، فكل يوم يروون لنا نفس القصة: القوات الأمريكية تعد للهجوم، الهجوم فوري والمدينة محاطة والإرهابيون بالداخل، إلخ. وتمر الساعات عقب ذلك وتظل المعركة غير محددة ولا توجد أنباء عن خسائر إنسانية وكل ما نراه من خلال التلفاز مجرد صور متفرقة لجنود في معارك مفترضة. كل شيء مشوش للغاية وغير محدد.
لماذا كل هذا الافتقار للدقة في الأنباء؟ إن الحقيقة واضحة: في الواقع ليس هناك وجود لهذه الأنباء، فليس كل ذلك إلا دعايا، فمن الجانب العراقي تبدو الأسباب واضحة: عقب موجة الاختطافات ليس هناك مراسل يجرأ على العمل في جانب الثوار. [وهنا مبرر عدم الحيادية واعتماد الرؤية الأمريكية وعدم تجاوزها قيد أنملة هو أن الثوار خاطفين , وكأن الثوار يخطفون لمجرد الخطف وأنهم وحشيون وأغبياء في ذات الوقت لا يفرقون العدو من الصديق , وحتى لو كانوا كذلك , ومع إدعاء أن أمريكا تسيطر على الموقف ؛ فإن هؤلاء الذين وصفتهم الثوار لابد أنهم لا يسيطرون على مساحات واسعة من مناطق العراق بما يجعل الصورة لا تكون صحيحة أبدا إلا إذا دخل الصحفي مناطقهم , ولنا أن نتساءل حينئذ هل هم مسيطرون إذن فقولوا واعترفوا أو لا إذن فغطوا الأحداث بأمانة صحفية فلا عذر إذن] ومن الجانب الأمريكي، يكمن السبب في أننا الصحفيون قد عدلنا عن الحصول على الأنباء بأنفسنا وإنما ننقل، من خلال عملية تدرج وظيفي سريعة، كل الأنباء التي يزودنا بها العسكريون المشاركون في المعارك، دون أدنى تحقق. وقد كان التحقيق للتوصل لأسباب وفاة كوسو- مصور إسباني لقي حتفه في حرب العراق- والتنديد بعمليات التعذيب التي تم القيام بها في سجن أبو غريب الاستثناءات المشرفة في سلسلة لا نهائية ومخجلة من الأنباء الصحفية 'الفاسدة'.
وبالنسبة لبعض القنوات التليفزيونية الدولية، ليست الحرب إلا لعبة صور بسيطة، فهناك أنباء عن هجمات ومعارك عنيفة ما يثير العجب فيها أنها لا تسفر عن ضحايا، فليس هناك أنباء عن خسائر في الأرواح؛ ليس هناك قتلى، فكل شيء افتراضي، كل شيء يبدو كلعبة، لعبة مأساوية.
ويبدو المقال مناوئا للإعلام الغربي، منددا بالخداع الأمريكي، إلا أننا إذا أمعنا النظر في توجيهاته نجده يتبنى نفس الهدف بل ويخلط الأوراق لينأى بذهن القارئ عن الأسباب الحقيقية خلف الخداع الإعلامي، حيث يشكك في صحة الأنباء التي تتناقلها وسائل الإعلام حول المعركة، مرجعا السبب إلى أنه :
'من الجانب العراقي تبدو الأسباب واضحة: عقب موجة الاختطافات ليس هناك مراسل يجرأ على العمل في جانب الثوار.' ومن الجانب الأمريكي، يكمن السبب في أننا الصحفيون قد عدلنا عن الحصول على الأنباء بأنفسنا وإنما ننقل، من خلال عملية تدرج وظيفي سريعة، كل الأنباء التي يزودنا بها العسكريون المشاركون في المعارك، دون أدنى تحقق. '
وإذا حللنا الأمر من الجانبين المذكورين نلحظ أنه بالنسبة للجانب العراقي، يُظهر المقاومة بصورة وحشية، متهما إياها بإيذاء من يحاول الاتفاق معها لتغطية أعمالها وكأنهم أناس لا أيمان لهم ولا ذمة بعكس ما أكده بعض الرهائن الذين تم إطلاق سراحهم حول حسن معاملاتهم ودقتهم في التحقيق وإهدائهم للبعض بعض الهدايا فكيف يخطفون من يريد أن ينصر قضيتهم هل هم أغبياء ومجرمون لهذه الدرجة.
أما بالنسبة للجانب الأمريكي فنراه يغاير الحقيقة محاولا إرجاع السبب في الخداع الإعلامي إلى الإهمال الصحفي متغاضيا عن العمالة التي جعلتهم يحجمون عن الوصول للمصادر وترك الحياد ولعق أحذية أمريكا.
وهناك العديد من الأمثلة الصحفية الأخرى التي، وإن اختلفت في أساليبها، تصب في نفس الاتجاه وتتبنى نفس الأهداف المعادية للإسلام والمشوهة للقضايا الإسلامية متخفية في ثوب الاهتمام بها أو حتى التعاطف معها لترسخ بذلك تلك الادعاءات في أذهان شعوبها وتبث فيهم الخوف والكراهية للإسلام والمسلمين ليحلا محل أي تعاطف معهم أو مع قضاياهم، ذلك التعاطف الذي قد يشكل في وقت من الأوقات ضغطا على الحكومات الغربية.
.. وهذه ليست إلا مجرد لقطة أردنا أن تمعن بها الأنظار لتتجلى الحقيقة : أيها 'المحايدون' إنكم لكاذبون..
عرض وترجمة : مـروة عامـر