|
الساحه الدينية تهتم بجميع الامور الدينيه من فتاوى واذكار واحاديث |
|
أدوات الموضوع |
28 / 05 / 2017, 07 : 02 PM | #1 | ||
تميراوي نشيط
|
الجود والكرم
الجود والكرم روى البخاريُّ ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدنَ وتعاقدنَ أن لا يكتمْنَ من أخبار أزواجهنَّ شيئًا..." - والذي يهمنا في الموضوع هو قول التاسعة والعاشرة منهنَّ - "قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من النَّاد، قالت العاشرة: زوجي مالكٌ، وما مالكٌ؟ مالكٌ خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارِح، وإذا سمعنَ صوت المزهر، أيقنَّ أنَّهنَّ هوالك". إذا كان هذا هو حال العرب في جاهليَّتهم؛ فكيف بمن مَنَّ الله عليه بالإسلام ودعاه إلى أخلاقه؟ ألا يتألَّم قلبه، وتَدمع عينه، حين يرى إخوانًا له في الدِّين جياعًا حفاة عراة، يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء؟ ألا يَرِقُّ قلبه، وتجود يداه؟ ألا يشكرُ خالقَه ورازقَه على فضله وعطائه، بإنفاقه وإحسانه؟ روى مسلم في صحيحه عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النَّهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النِّمار أو العَباء، متقلِّدي السيوف، عامَّتُهم من مُضَر، بل كلُّهم من مُضَر، فتمَعَّر وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لِما رأى بهم من الفاقَة، فدخل ثمَّ خرج فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلَّى ثمَّ خطب، فقال: ((﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ إلى آخر الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، والآية التي في الحشر: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 18]، تصدَّق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه؛ من صاع تَمره، حتى قال: ولو بشِقِّ تمرة))، قال فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادَت كفُّه تَعجِز عنها، بل قد عجزَت، قال: ثمَّ تتابَع النَّاس، حتى رأيتُ كومين من طعامٍ وثياب، حتى رأيتُ وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلَّل كأنَّه مُذْهَبَةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سَنَّ في الإسلام سنَّةً حسنة، فله أجرها وأجر من عَمِل بها بعده، من غير أن يَنقص من أجورهم شيء، ومن سَنَّ في الإسلام سنَّةً سيئة، كان عليه وِزرُها ووِزر من عَمل بها من بعده، من غير أن يَنقص من أوزارهم شيء)). إخوتي الكرام، الإسلام دين يدعو إلى البَذل والإنفاق، ويرغِّب في الكرَم والسَّخاء، وينهى على الشحِّ والبخل، ويحذِّر من المنع والإمساك. الإسلام دينٌ يحبِّب إلى أتباعه أن تكون نفوسهم سخيَّة، وأكفهم ندِيَّة، ويوصيهم بالمسارعة إلى دواعي الإحسان ووجوه البرِّ، وأن يجعلوا تقديمَ الخير إلى النَّاس شُغلَهم الدائم، لا ينفكون عنه في صباح أو مساء، قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274]. فمِن الواجب على المسلِم أن يَقتصد في مطالب نفسه؛ حتى لا تَسْتَنفِدَ مالَه كلَّه، وعليه أن يُشرك غيرَه فيما آتاه الله من فَضله، وأن يجعل في ثرْوته متَّسَعًا يُسعِفُ به المنكوبين ويُريح المتعَبين؛ ولذلك ورد الأمر بالإنفاق على القرابة والمساكين مقرونًا بالنهي عن التبذير، في قوله سبحانه: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26، 27]. روى مسلم في صحيحه عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بن آدم، إنَّك أنْ تبذل الفضلَ خيرٌ لك، وأن تمسكه شرٌّ لك، ولا تلام على كفافٍ، وابدأ بمن تعول، واليد العُليا خير من اليد السُّفلى))، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سَفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصرَه يمينًا وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان معه فَضل ظَهر، فليَعُدْ به على مَن لا ظَهر له، ومن كان له فَضلٌ من زاد، فليَعُد به على مَن لا زاد له))، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنَّه لا حقَّ لأحدٍ منَّا في فضل. • مظاهر الكرم وفوائده: مرَّة أخرى مع خُلق الجود والكرم، ذلكم الخُلق العظيم الذي نحتاجه في كلِّ وقت وحين، وحديثنا اليوم عن مَظاهر الكرم وفوائده. أولاً: صور للجود والكرم: للكرم والجود صور عديدة، ومجالات متنوعة كثيرة، فيها يتنافس المتنافسون، ويجتهد المجتهدون، كلٌّ على حسب طاقته واستطاعته، ومن صور الجود والكرم: 1– بَذْل المسلم وعطاؤه من مال الله الذي آتاه الله إيَّاه وأنعم به عليه من كل ما ينتفع به المرء؛ من مأكلٍ أو مشرب أو ملبس، أو مسكن أو دواء أو غير ذلك من أنواع الخير والبرِّ والإحسان، فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيُّ النَّاس أحب إلى الله؟ وأيُّ الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّ النَّاس إلى الله تعالى أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله تعالى سرورٌ تُدخِله على مسلم، أو تكشِف عنه كُربة، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأَن أمشي مع أخٍ في حاجة أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهرًا، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورتَه، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبَه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يتهيَّأ له أثبت الله قدمَه يوم تزول الأقدام))؛ أخرجه الطبراني في معجمه، وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، وحسَّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب. 2– بذل المرء وعطاؤه من علمه ومعرفته؛ فالكريم من لا يَكتم علمًا ولا معرفة، بل يُعَلِّم الناسَ ويدلهم على الخير، والبخيل هو الذي يَحتفظ بمعارفه وعلومه لنَفسه، بُخلاً ورغبة في الاستئثار والانفراد، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دعا إلى هدًى، كان له من الأجر مثل أجور من تَبِعه، لا يَنقُص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام مَن تبعه، لا يَنقُص ذلك من آثامهم شيئًا)). وروى الترمذيُّ في سننه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: ذُكِر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجُلان أحدُهما عابد والآخَر عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فَضل العالِم على العابِد كفضلي على أدناكم))، ثمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النَّملة في جحرها وحتى الحوت - ليُصَلُّون على مُعلِّم الناسِ الخيرَ)). 3- بَذل النصيحة لمن هو في حاجة إليها؛ فالكريم لا يَبخل على إخوانه بأي نصيحة تفيدهم وتنفعهم في دينهم أو دنياهم، وقد عدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من حقوق المسلم على أخيه أن ينصحه إذا طلب منه النَّصيحة؛ ((... وإذا استنصَحَك، فانصَحْ له...))، روى مسلم في صحيحه عن تميم الدَّاري رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الدِّينُ النَّصيحة))، قلنا: لمن؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم)). 4– بذل المرء وعطاؤه من أخلاقه وشِيَمه؛ فالكريم يعطي من مكانته وجاهه، ويعطي من عَطفه وحنانه، ويعطي من طلاقة وَجْهه وابتسامة ثغره وحُلو كلامه، ويعطي من وقته وراحتِه، ويعطي من سَمعه وإصغائه، ويعطي من حبِّه ورحمته، ويعطي من دعائه وشفاعته، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أكمَل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا، وخيركم خيركم لنسائهم))؛ أخرجه الإمام أحمد وابن حبان والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. 5– بذل العبد وعطاؤه من طاقات جسده وقوَّته؛ فالجواد يعطي من معونته وخدماته وجُهده، يمشي في مصالِح النَّاس، ويَتعب في مساعدتهم، ويَسهر من أجل معونتهم، ويسعى في خدمتهم...؛ ففي الصَّحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ سُلامَى من النَّاس عليه صدَقة كلَّ يوم تطلع فيه الشمس؛ تعدِل بين الاثنين صدَقة، وتعين الرجلَ في دابَّته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعَه صدَقة، والكلمة الطيِّبة صدقة، وكل خطوة تَمشيها إلى الصلاة صدَقة، وتميط الأذى عن الطَّريق صدَقة)). 6- إكرام الوالدين ببرِّهما والإحسان إليهما بحسن القول والفعل والخُلق؛ فقد قال تعالى في وصيته لعباده: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24]. 7- إكرام الأهل والأقارب؛ فمِن أحق النَّاس بجودك وكرمك أهلُك وقرابتك، بإكرامهم تكون الصلة ويكون التماسك الأُسري، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دينارٌ أنفقتَه في سبيل الله، ودينار أنفقتَه في رَقبة، ودينار تصدَّقتَ به على مسكين، ودينار أنفقتَه على أهلك، أعظمُها أجرًا: الذي أنفقتَه على أهلك))؛ لأنَّ النَّفقة على القريب صِلَة وصدَقة. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي))؛ أخرجه الترمذيُّ وابن حبان والبيهقي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. 8- إكرام الجار والضيف؛ فالكريم مَن يُكرم جارَه، والكريم من يُكرم ضيفَه ويكرم زائرَه، فذاك دليل على إيمان العبد بالله واليوم الآخر، فقدروى مالك في الموطأ وعنه البخاريُّ ومسلم في صحيحَيْهما عن أبي شريح العدوي رضي الله عنه قال: سمعَتْ أذُناي، وأبصرَتْ عيناي، حين تكلَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جارَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفَه جائزته))، قال: وما جائزتُه يا رسول الله؟ قال: ((يوم وليلة، والضِّيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدَقة عليه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)). ثانيًا: فوائد الجود والكرم: إخوتي الكرام، عليكم بالجود والكرم؛ فإنَّ فوائده عظيمة، ونتائجه جليلة، فمن فوائده: 1- مضاعفة الأجر والثواب: قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]، فعلى المسلِم أن يَنظر إلى المحتاجين الذين يقصدونه كما يَنظر إلى أسباب التجارة الرابحة، وليَعلَم أنَّ بذلَ اليوم وإن كان قليلاً فهو عند الله يوم القيامة أضعاف مضاعفة، لا يردُّه لصاحبه مِثلاً أو مِثليْن، بل يردُّه أضعافًا مضاعَفة، قال سبحانه: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245]، وقال عزَّ وجل: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]. 2- الأمن من الخوف والحزنِ يوم القيامة: قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274]. عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّ امرئ في ظلِّ صدَقته حتى يُفصَل بين الناس))، أو قال: ((يُحكمَ بين الناس))، قال يزيد: وكان أبو الخير - وهو مرثد بن عبدالله - لا يخطئه يومٌ لا يتصدَّق فيه بشيء، ولو كعكة، ولو بصلة"؛ أخرجه الإمام أحمد وابن حبان وابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الجامع. 3- زرع المحبة والمودة بين الناس: فبالعطاء والسَّخاء تصفو النفوسُ من أمراض الحقد والكراهية، وتمتلئ بالمودَّة والمحبَّة؛ فإنَّ النفوس مجبولة على محبَّة أهل الكرَم والسَّخاء والإحسان، وعلى بُغض أهل البخل والشحِّ والإساءة. روى مسلم في صحيحه عن ابن شهاب قال: "غزا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غزوةَ الفتح؛ فتح مكَّة، ثمَّ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحُنَيْن، فنصر الله دينَه والمسلمين، وأعطى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ صفوانَ بن أمية مائة من النَّعَم ثمَّ مائة ثم مائة، قال ابن شهاب: حدَّثني سعيد بن المسيب أنَّ صفوان قال: والله لقد أعطاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنَّه لأبغضُ الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنَّه لأحبُّ الناس إليَّ". فانظر كيف يتحول حال القلب بالعطاء والسَّخاء من بَغضاء إلى محبَّة، ومن عداوة إلى صداقة. 4- سبب في بركة المال ونموِّه وزيادته: وَعْدٌ من الله الذي لا يُخلف وعدَه أنَّ مَن شَكر الله تعالى على نِعمه فوظفها في طاعته، زاده الله تعالى من فضله وجوده وإحسانه، قال سبحانه: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]. فمن الخطأ وسوء الظنِّ أن يظنَّ المرءُ أن الكرم والسَّخاء يَنقُص الثروةَ ويُقرِّب من الفقر، فهذا من وساوس الشيطان التي يلقيها في نفوس البخلاء، قال تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268]، والحق أنَّ الكرم سبيل السَّعَة والغنى، وأنَّ السخاء سبب النَّماء، وأن الذي يجعل يديه مَمرًّا لعطاء الله يظلُّ مبسوطَ اليد بالنِّعمة، مكفولَ اليوم والغد بالعطاء الدَّائم من رحمة الله وكرمه وإحسانه. فعن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه أنَّه سَمِع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ثلاثة أقسِم عليهنَّ، وأُحَدِّثكم حديثًا فاحفظوه))، قال: ((ما نقَص مالُ عبدٍ من صدَقة، ولا ظُلِمَ عبدٌ مَظلِمةً فصبر عليها إلا زاده الله عزًّا، ولا فتحَ عبدٌ بابَ مسألة إلاَّ فتح الله عليه بابَ فَقر)) - أو كلمة نحوها - ((وأحَدِّثكم حديثًا فاحفظوه))، قال: ((إنما الدنيا لأربعة نَفَر: عبدٌ رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتَّقي فيه ربَّه، ويَصِل فيه رَحِمه، ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٌ رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النيَّة يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملتُ بعمل فلان، فهو بنيَّته، فأجرهما سواء، وعبدٌ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا، فهو يخبط في ماله بغير علمٍ، لا يتَّقي فيه ربَّه، ولا يصل فيه رَحِمَه، ولا يعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبدٌ لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملتُ فيه بعمل فلان، فهو بنيَّته، فوِزرُهما سواء))؛ أخرجه الإمام أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع. فليَعلمْ كلُّ مُنفِق كريم أنَّ ما أنفقه في سبيل الله باقٍ مدَّخَرٌ له إلى يوم القيامة؛ فعن عائشة رضي الله عنها أنَّهم ذبحوا شاةً، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((ما بقي منها؟))، قالت: ما بقي منها إلاَّ كتفُها، قال: ((بقي كلُّها غيرَ كتفها))؛ أخرجه الترمذيُّ وقال: هذا حديث صحيح، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول العبد: مالي مالي، إنَّما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى - أي ادَّخره لنفسِه في الآخرة - وما سوى ذلك فهو ذاهبٌ وتارِكُه للناس)). وفي صحيح البخاري عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أيُّكم مالُ وارثِه أحَبُّ إليه من مالِه؟))، قالوا: يا رسول الله، ما مِنَّا أحد إلا مالُه أحبُّ إليه، قال: ((فإنَّ مالَه ما قدَّم، ومالُ وارثه ما أخَّر)). فما المالُ إلا ظلٌّ زائل، وعارِية مسترجَعة، انتقَل إلينا مِن غيرنا، وسينتقل منَّا إلى غيرنا، فلنتزوَّد منه ليومٍ يقف فيه العبادُ بين يدَي الله تعالى حفاة عراة، من غير مال ولا جاه، كما خُلقوا أول مرة، لا ينفعهم إلاَّ ما قدَّموه بين أيديهم من صالح الأعمال، قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94]. نسأل الله تعالى أن يوفِّقنا لصالح الأعمال، وأن يَهدينا سبلَ الرَّشاد، وأن يجعلنا من عباده المحسنين. اللهمَّ اجعلنا لأنعُمك من الشاكرين، ولآلائك من الذَّاكرين، واجعلنا يا رب ممَّن أكرَمتَهم في هذه الدنيا بمحبَّتك وعونك وتوفيقك وهدايتك وحِفظك، وفي الآخرة برضوانك وجنَّاتك، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين. وصَلِّ اللهمَّ وسلِّم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
|
||
28 / 05 / 2017, 59 : 02 PM | #2 | ||
المستشارة والقآئمه بشؤون العنصر النسآئي
|
رد: الجود والكرم
بارك الله فيك
|
||
28 / 05 / 2017, 26 : 05 PM | #3 | ||
مشرف
|
رد: الجود والكرم
جزاك الله خير وبارك الله فيك
|
||
30 / 05 / 2017, 07 : 11 AM | #4 |
تميراوي عريق
|
رد: الجود والكرم
جزاك الله خير وبارك الله فيك |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|