إن الانسجام بين المظهر الخارجي والبيئة التي يعيش فيها الكائن الحي أمر مطرد في كل الأحياء ، ومثال آخر لهذا الانسجام هو القطا ، فعند إقتراب موسم التبييض يضع هذا الطائر بيضة في مكان منعزل وسط الجبال ، وعند خروج الفراخ من البيض يبدؤون على الفور في البحث عن الغذاء الذي يتألف من البذور النباتية , بيد أنه ليس لديهم القدرة للبحث عن الماء نتيجة لأنهم لا يستطيعون الطيران بعد ، ومسؤولية جلب الماء تقع على الذكر. و بعض أنواع الطيور يجلب الماء لصغاره في منقاره , إلا أن ذكر القطا يضطر إلى جلب الماء من مسافة بعيدة لذلك فهو يحتاج إلى شيء من هذا الماء لإرواء عطشه نتيجة هذه الرحلة الطويلة و الشاقة ، ولهذا الطير طريقة خاصة وغريبة لحمل الماء تتمثل في أن الريش الذي يغطي صدر الطائر وبطنه متميزا بطبقة ليفية من الداخل ، وعندما يصل الطير إلى مصدر الماء فإن أول ما يفعله هو التمسح بالرمل بأسفل جسمه للتخلص من الملمس الدهني للريش والذي يمنع التبلل , ثم يقترب من ضفة الماء و يبدأ بإرواء عطشه أولا ثم يلج في الماء رافعا جناحيه وذنبه ومحركا جسمه للأمام والخلف لتبليل ريشه بأكبر كمية ممكنة من الماء , و تمثل الطبقية الليفية للريش إسفنجاً يعمل على امتصاص للماء ، ويكون الماء المحمول بواسطة الريش بعيدا عن تأثير التبخر، وفي النهاية يصل الطير إلى فراخه الذين مازالوا يبحثون لهم عن طعام ، وعند رؤيتهم لأبيهم يسرعون نحوه ، وعندئذ يرفع الذكر جسمه إلى الأعلى ويبدأ الفراخ بمص الماء الموجود في الريش في وضعية أشبه برضاعة اللبائن لصغارها ، وبعد إنتهاء عملية سقي الصغار يمسح الذكر جسمه في الرمل لتجفيف الريش ، ويستمر الذكر في إرواء الصغار حتى ينهي الصغار عملية إسقاط الزغب وتغييره و تصبح لهم القدرة على الاعتماد على أنفسهم في إرواء عطشهم .
وهذا مقطع فيديو يبين طريقه تبليل ذكر القطا ريشة بالماء لنقلة إلى صغارة
http://up.c-ar.net/10/0f3e3.wmv
إن هذا السلوك الغريب للقطا يثير في أذهاننا تساؤلات عديدة ، فإن هذا الطير يعرف جيدا كيفية الاستفادة من خواص مظهره الخارجي ومدى ملائمتها لظروف البيئة التي يعيش فيها , هو يفعل ذلك لأن مصدر سلوكه العجيب هو الإلهام الإلهي الذي منحه القدرة على التصرف وفق البيئة التي يعيش فيها.