يــمـــه...ذبـــحــني الــــبرد مــا اقــــدر انــاديـــــــك...
ودي...اجــــيـــك ابـــرتــــمــي فـــي شــــلـيــــــلــك...
يــمـــكـن...تــــدفيــــني ويـــمـــكــن ادفـــــيــــــك...
ويــمـــكــن...رحــيــلي عـــنــك يـــسبـق رحــيـــلــك..
ماتت مشاعل وقد ماتت قبلها المشاعر
(مقال مبكي جدا)
مشاعل ذات الخمسة عشر ربيعاً كأنها القمر, بل هي القمر, شعرها في سواد الليل, عيناها بهما كل براءة الطفولة وبريق أمل واسع للمستقبل.
هل ستكون طبيبة؟ لا. هل ستكون معلمة؟ لا. أخصائية اجتماعية؟ لا. ربما ربة منزل؟ لا. فلن تكون أياً من ذلك. كيف تكون وهي قد ماتت
نعم ماتت من البرد الشديد لأن بيتها كان من صفيح.
هل قتلها البرد؟ لا والله. فالبرد ليس هو القاتل. ما البرد إلا أداة الجريمة فقط. فنحن القتلة فعلاً.
نحن قتلناها عندما لم نهتم لماذا هذا المواطن يسكن في بيت صفيح و لم يستطع المجتمع أن يوفر له بيتاً.
هذا المجتمع الذي ينتج عشرة ملايين برميل بترول مع كل إشراقه شمس. هذا المجتمع الذي قسم الأراضي,
من يأخذ أكبر مساحة ليورثها لأولاده ولا يهم بعد ذلك ماذا يحدث للمجتمع. قتلها هذا المجتمع الذي به فئات آثرت أن تجمع كل شيء,
كل شيء, كل شيء, أرض ومال وعمولة وأسهم وثروات ومصالح. قتلها هذا المجتمع الذي أعماه الطمع.
قتلناها لأننا بدلاً من أن نوظف أباها فضلنا أن نستقدم عاملاً أرخص منه وأكثر طاعة.
اللهم أنتقم من كل شخص منا تسبب بجشعة في هذه المأساة.
اللهم لا ترحم من لم يرحم فقرها
(لا أدري أن كان يجوز مثل هذا الدعاء, فإن لم يكن جائزاً فلن يكون ذنبي في هذا الدعاء أكبر من ذنب السكوت عن هذه الجريمة,
فالسكوت عن قول كلمة الحق هو السبب في كل هذا).
ماتت مشاعل. ماتت قبل أن تحفظ مقرر التربية الوطنية, ماتت ولم تقرأ بعد خطط التنمية. ماتت في نصف المسافة الزمنية بين احتفالنا باليوم الوطني العام الماضي والعام القادم.
مشاعل كيف تموتين من البرد؟ وهل يموت أحد من البرد؟ نحن نسافر إلى سويسرا لنستمتع بالبرد.
مسكين أبوها أعتقد أن بطاقة الأحوال التي يحملها في جيبه تضمن له حقاً على المجتمع.
مشاعل نسيناكِ وسط ذبذبة مؤشر الأسهم, نسيناكِ ونحن نسأل عن ربحنا في هذه الصفقة أو ذلك المخطط.
نسيناكِ فلم نتذكر إلا رقم الاستثناء ومبلغ العمولة.
مشاعل نسيناها. ولكن, في هذه الليلة إن قام أحدنا ليغطي بالبطانية ابنته لأن المكيف المركزي بارد فليتذكر اسم مشاعل عسى اسمها أن يذهب النوم من عينيه.
على الأقل فلتحيا أعيننا إن ماتت قلوبنا.
مشاعل نسيناكِ. ولكن, أقسم لكِ إننا سنذكركِ جميعاً حين يسألنا الله عنكِ. كلنا سنٌسأل عنكِ.
ماتت مشاعل وقد ماتت قبلها المشاعر.
ماتت وقد مات قبلها الضمير.
مشاعل أنظري إلينا نظرة وداع وخبرينا. مشاعل لِم لم تلتصقي بأبوك الفقير فلعل دفء قلبه ينجيك؟ هل وجدتيه يرتجف مثلك فخاف قلبك الرقيق أن يزعجه؟....
مشاعل بنيتي لِم لم تستنجدي بنا؟ هل لأنك علمت أن قلوبنا حجر ونحن لا نعلم؟....
مشاعل ما أخر كلمة قلتيها قبل أن يقتلك البرد؟. مشاعل هل قلت ماما أم قلت بابا أم قلت يا الله؟....
مشاعل أرفعي رأسك وصفى لنا لحظاتك الأخيرة في صراعك مع البرد....
مشاعل أرفعي رأسك وخبرينا هل فقدت من ألم البرد الإحساس في يدك أولاً أم في قدمك؟ فهذه الجزيئة تهمنا....
مشاعل قولي لي أي شيء. أي شيء عن لحظاتك الأخيرة. مشاعل صفي لي الموت البطيء....
مشاعل هل شاهدت في أخر ثواني حياتك كم هي زرقاء يديك وشفتيك, أم شاهدتِ كم هي سوداء قلوبنا؟....مشاعل لم لا تتكلمي؟ هل الصمت أبلغ؟.
مشاعل أفتحي عينيك الجميلة....مشاعل أرفعي رأسك وأجيبيني. مشاعل أرفعي رأسك وابصقي في وجوهنا....