اختلفت أساليب النصب والاحتيال في السوق العقارية وبقيت النتيجة واحدة .. تبخر أموال وأحلام الضحايا وتضخم جيوب الجناة أو الزج بهم خلف القضبان والمتضرر الأكبر هي الدولة .. سمعتها ومكانتها على الخريطة الاقتصادية الإقليمية والعالمية تتعرض إلى نكسة.
قطاع العقارات شهد العديد من المتغيرات في السنوات القليلة الماضية مع نشاط رفعه إلى مستوى الطفرة، ومع هذا الزخم ظهرت حالات احتيال ونصب وتلاعب أساءت بسمعة السوق مما استدعى وقفة قانونية تنظيمية تردعها قبل أن تتفاقم وتخرج عن السيطرة.
نماذج من النصب والاحتيال
في قطر مثلا، أجر مقيم عربي منازل مهجورة كانت بلدية العاصمة تستعد لإزالتها، نجح "النصاب الفرد" في جمع مبالغ طائلة لكنه لم يوفق بالهرب. في عاصمة الإمارات أبوظبي قام مكتب عقاري بتحرير عقد إيجار لمستأجر ذهب بعده وعائلته للسكن ففوجئ بوجود ساكن آخر عقده نظامي وشرعي، والحالات من هذا النوع كثيرة. أما في السعودية فيتعدى النصب والاحتيال الحالات الفردية إلى مكائد من فعل مافيات منظمة.
وتقول مصادر "الأسواق.نت": إن قيمة المساهمات المتعثرة في السعودية التي هدفها النصب والاحتيال تبلغ 16 مليار ريال، والمساهمات المتعثرة تلك وفقا للمصادر من أبرز وأخطر وسائل النصب، وهو أن يقوم مطور عقاري بطرح أرض أو مشروع ضخم وهمي للبيع ويجني منه أموالا طائلة ثم يتنصل من مسؤولياته أو يهرب، وتؤكد المصادر أن هذه الحالات تكررت بشكل لافت منذ العام 2005 وحتى الآن.
الحصيلة .. أرقام مهولة
تبلغ قيمة المساهمات المتعثرة في المملكة العربية السعودية 40 مليار ريال وهي تكاد تعصف بالسوق العقارية لأنها انتشرت بشكل مخيف في كل مناطق المملكة
د.عبدالله المغلوث
وتبلغ قيمة المساهمات المتعثرة في المملكة العربية السعودية 40 مليار ريال وفقا للخبير العقاري الدكتور عبد الله المغلوث الذي قال في حديث لـ "الأسواق.نت": إنها تكاد تعصف بالسوق العقارية؛ لأنها انتشرت بشكل مخيف في كل مناطق المملكة "وأضاف المغلوث أن نحو 40% من المساهمات المتعثرة هدفها النصب والاحتيال أما النسبة المتبقية من المساهمات فتتعثر لأسباب عدة منها: عدم إمكانية الحصول على التمويل اللازم أو الحجز على الأرض أو ضعف الدراسة أو عدم حصوله على التراخيص اللازمة وغيرها من الأسباب التي فاقمت الظاهرة.
ويرى المغلوث أن المشكلة قابلة للمزيد من التفاقم ما لم تتدخل الجهات المعنية أولا بحل المساهمات الحالية وإعادة الحقوق للمساهمين ثم إخضاع المساهمات المستقبلية لقوانين وتشريعات تضبط السوق بشكل حاسم.
وطالب المغلوث المواطنين والمساهمين بتحري الدقة والحذر في حال الاشتراك بمساهمة، وذلك بالتأكد من حصولها على الموافقات الرسمية المطلوبة ووجود الأرض وسمعة صاحب المساهمة ومعرفة فيما إذا كان قادرا على إنجاز المشروع.
تعثر المساهمة .. نصب أم نتيجة الظروف
ومنذ العام 2005 سجلت السوق عددا كبيرا من حالات المساهمات المتعثرة التي يدرجها غالبا الضحايا في خانة النصب والاحتيال ومنها مساهمة جزر البندقية لرجل الأعمال صالح الدريبي وهي من أشهر المساهمات المتعثرة في المنطقة ضخ فيه 15ألف مساهم 2.56 مليار ريال، وتم إلغاء المشروع بعد ثبوت تزوير أوراق المساهمة وتورط المالك بالتغرير بالمساهمين حسب وصف جريدة "الرياض" السعودية.
ومن الأمثلة الأخرى مساهمة مؤسسة تمور عقارات المملكة، وتعثرها الذي اقتضى تحت ضغط ألف مساهم إيداع صلاح النفيسي صاحب المؤسسة للسجن. كما أن مكتبا عقاريا استثماريا تحايل على عدد من المساهمين ضخوا نحو 142 في قطعة أرض مساحتها 655 ألف متر مربع، قال: إن ملكيتها تعود لرجل أعمال وكانت المساهمة وهمية.
ويساهم القطاع العقاري بشكل كبير في الاقتصاد السعودي ويشكل ركيزة أساسية من ركائزه بعد النفط، على اعتبار أنه ثاني أكبر القطاعات الاقتصادية في البلاد ومع ذلك فإنه يعاني ضعفا تشريعيا لافتا ما يزال موضع انتقاد العاملين في القطاع.
الإمارات لم تسلم أيضا
دبي لا تسمح بالاعلان عن اي مشروع غير مسجل في دائرة الاراضي ولاملاكو طرحت قانونا يضمن تطوير العقار وعدم التصرف بالاموال خاصته إلى حين تسليمه للمستفيدين
ظاهرة النصب العقاري عابرة للحدود وليست حكرا على دولة خليجية بحد ذاتها لذلك هي تتكرر في الإمارات أيضا، وكان المحتالون يجدون في هذه الدولة المجال واسعا أمام عملياتهم، وكانت دبي خصوصا شهدت فيما سبق عددا من حالات النصب الكبيرة مثل: مشروع jwel الذي كان من المفترض أن يجمع عجائب الدنيا السبع في مكان واحد، تبخر بعد أن شارك في معرض سيتي سكيب العقاري 2005، وكذلك حدث مع برج في الشارقة لكن المالك تدخل وعبر في أحاديث تلفزيونية أنه سيعيد الحقوق كاملة لأصحابها.
هذه الحالات وغيرها جعلت المعنيين على السوق الأهم في الدولة ينتبهون إلى ما يحدث فشددوا القبضة بشكل كامل على أعناق المطورين العقاريين، ففي دبي مثلا لا تسمح الحكومة بالإعلان عن أي مشروع غير مسجل في دائرة الأراضي ولأملاك ثم إنها طرحت قانونا يضمن تطوير العقار وعدم التصرف بالأموال خاصة إلى حين تسليمه للمستفيدين، لكن السوق وفقا لمراقبين لا يخلو من حالات استثنائية، مثل الاحتيال الذي قام به مقيمان نشرا إعلانات في إحدى الصحف عن وجود ملحق سكني للإيجار ثم قاما بتأجير نفس الملحق لأكثر من شخص بعد أن أخذا من كل ضحية مبالغ كبيرة.
الحرب بالقوانين .. ناجحة
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد البنا، وهو عضو في لجنة إيجارات دبي: إنه يسمع بين الفينة والأخرى بحدوث حالات نصب واحتيال في السوق العقارية الكبيرة أما القضايا الإيجارية التي تحمل بين طياتها نوايا نصب فتعج بها أروقة لجنة الإيجارات لافتا في الوقت نفسه أنها في تراجع بفضل القوانين الجديدة التي تحدد العلاقة بين طرفي المعادلة الإيجارية ويضيف: "القوانين في دبي ردعت أصحاب النفوس الضعيفة وضيقت الخناق عليهم".
ويشير البنا في حديثه للأسواق.نت إلى تفاوت في أشكال وصيغ التحايل ويعتبر إخراج المستأجر من المنزل بدعوى الصيانة تحايلا على القوانين وكل من تحايل على الناس وتطاول على القوانين أساء لنفسه ولمجتمعه ولذلك يجب التصدي لهؤلاء".
وكشف البنا: أنه على إطلاع بأن قاعات المحاكم مليئة بالقضايا العقارية وقال: إنه يريد أن تتشكل لجنة خاصة بالمنازعات العقارية في كل المحاكم المعنية وأن تتفاعل أدوارها حتى يتم حل القضايا جميعا".
أما بخصوص وجود نصب واحتيال في جوانب السوق الأخرى كالمساهمات قال: إن المستثمر العقاري أو الراغب في الاستثمار في الدولة يتمتع بوعي جيد، وهو إذا أراد المساهمة أو الشراء يبحث في أصل المشروع وحصوله على الموافقات الرسمية اللازمة وعليه ألا يرمي أمواله في بئر لا يعرف كيف يصل إليها فيما بعد".
وقال: مهما كانت الرقابة والقوانين قوية ستبقى هناك نفوس ضعيفة تتلاعب بأموال ومصالح الناس، لكن الثقة بالسوق ومكانتها لم تتأثر، كون أن السوق أثبتت أنها أقوى من الوقوف عند بعض المساهمات المتعثرة التي حصلت سابقا".
وكان خبير عقاري وصف في حديث سابق لموقعنا أن عددا كبيرا من مشاريع دبي وهمية وقال: إن القانون الجديد الذي سيخرج عددا كبيرا من المطورين من السوق سيثبت كلامي. ووجه انتقادا لاذعا إلى المطورين الذين تتأخر مشاريعهم عن التسليم حسب الجدول الزمني المقرر، وألقى عليهم مسؤولية أزمة الإسكان التي تعاني منها دبي على وجه الخصوص بين إمارات الدولة الست الأخرى.