السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* الله ينتظركَ !! *
فهيا –بارك الله لكَ- هرول إلى مولاكَ، وابكَ على إسرافك على نفسك، وتجرد من حولك وقوتك، مستعيناً بحول الله وقوته، متجهاً بقلبكَ وكل جوارحك إلى ربك وخالقك، تائباً خاشعاً ذليلاً باكياً، وقل: يارب عجلتُ إليكَ لترضى، واطلب منه الصفح والمغفرة، وإصلاح القلب، ودفع شرور النفس والتغلب على أهوائها، فستجد رباً أشد فرحاً بتوبتكَ من رجل أشرف على الموت، ثم رُدَّت إليه أسباب الحياة، وليكن شعاركَ فى ذلك قوله – سبحانه-: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، هذه الآية التى أوضحت لنا شروط العبادة، "كمال الحب مع تمام الذل"، تلك التى ارتضاها المولى –سبحانه- لعباده.
ثم.. "فإذا عزمتَ فتوكل على الله".. فإن التوبة لابد لها من عمل، قال الله –عز وجل-: ﴿ يَاأَيُّهَا اْلَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَعْمَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اْللهِ أَنْ تَقُولُواْ مَا لاَ تَعْمَلُونَ﴾، فشَمِّر –أخى- عن ساعد الجد، واتجه إلى ربكَ بأنواع العبادات والطاعات، ممتثلاً للأمر، مجتنبًا للنهى، واقفًا عند الحد.
* واحذر – عبد الله- من أداء العبادة فى غياب القلب *
لذا.. فأنصح نفسى وإياكَ بالاجتهاد فى إصلاح القلب، فإن مرض القلب والله أجدر بالاهتمام من سائر أمراض البدن، فمرض البدن إن صبرت عليه غفر الله لك ذنوبك، ورفع درجاتك، وأما مرض القلب فلا يورث إلا الغفلة فى الدنيا، والذل والصَّغَار يوم القيامة، ولم تزدد به من الله إلا بعداً..
ومما يساعد على إصلاح القلوب:
أولاً:لابد وأن ترد للقلب روحه، فإنه كما أن الروح إذا خرجت من البدن مات الإنسان، فكذلك إذا خرجت روح القلب منه مات، وهذه الروح هى كلام الله –جل جلاله-، قال ربى –سبحانه-: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا﴾، فاجتهد –وفقك الله- فى تلاوة كتاب الله، وتدبره، ولا تنس –أخى- أن تحدد لكَ عدداً من الختمات لكتاب الله تنجزها فى خلال هذا الشهر،وإياكَ وقول: "سأحاول.. إن شاء الله ربنا ييسر.."، دون أن تحدد هدفك، ولكن قل: سأختم "كذا" من المرات إن شاء الله، فإن لم توفق وتبلغه بعملك، بلغته بنيتكَ الصادقة.
وثم الوسائل الأخرى التى تعين على ترقيق القلوب، مثل: زيارة القبور للعبرة والعظة – مع التزام الآداب الشرعية الخاصة بها-، وكثرة الصدقات، والإحسان إلى اليتيم، وسماع المحاضرات التى تتحدث عن الدار الآخرة، والجنة والنار، والموت وساعة الاحتضار، ونعيم القبر وعذابه، والخشوع، والخوف والرجاء....إلخ.
وإياكَ أن تكون ممن يعبد الله على حرف، فإن وجدتَ خيراً ثبتَّ على الطاعة، وأما إن وجدت إبتلاءً وفتنة نكصت على عقبيك، فإن مثل هذا لا يُحصِّلُ إلا الخزى والخسران لدنياه وآخرته، لكن ينغى عليكَ أن تعلم أن سنة الله –عز وجل- هى ابتلاء عباده، لمعرفة الصادق من الكاذب، فإن اجتزت تلك المرحلة بسلام، وأثبت صدقك فى اللجوء إليه، انتقلت إلى مرحلة تكفير الذنوب والخطايا، بالصبر على البلاء، وثم رفع الدرجات فى الجنة، وهنيئاً لكَ حينئذ، قال ربى –سبحانه- : ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.
فلابد وأن تجد نفسك تأبى عليكَ إلا ترك الطاعة، أو تأجيلها، وما ذلك إلا لأنها أمارة بالسوء، فاستعن عليها بالعليم القدير، ولا تدعها تهزمك فتُرْديك، وتذكَّر أن الشياطين قد صُفِّدت فى شهرنا هذا، فلم يبق من أعدائك إلا النفس والهوى.
فإياكَ أن ترق لأنينها، أو أنين جوارحك، فإن كل ذلك مُتبرِّأ منك يوم العرض، شاهد على كل صغيرة وكبيرة، قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا اْللهُ اْلَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، فالحذر الحذر، لئن أسعدتهم فى هذه الدنيا وأرضيتهم، لتشهدن منهم يوم القيامة مالا تحب ولا ترضى.
* وقفة *
أخى الفاضل.. لا تُخدع، وتفَطَّن إلى ما يُدَبَّرُ لك، فقط انظر إلى قدميكَ التى تئن من الوقوف بين يدى الله، وتستصرخك أن تَكُفَّ عنها، هل تراها تورمت كما تورمت قدما رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؟!...، وعيناك هاتين اللتان اشتكتا من قراءة ساعة فى كتاب الله، فى حين تجدهما صامدتين أمام المتبرجات، وحين النظر إلى شاشات التلفاز والحاسب، قل لهما: أين دموعكما من دموع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- التى كانت تبلل لحيته، وثيابه، بل والأرض تحت قدميه –بأبى هو وأمى ونفسى- !!، أَصِرتُمَا حجراً، أم ما يحبسكما عن البكاء من خشية الله؟!، ونفسك هذه التى تمل دائماً من دقائق العبادة، فى حين أنها لا تبالى بساعات اللهو، بل والمعاصى، مابالها؟!، هاهنا تفكر فيما يدبر لكَ من قبل نفسك وجوارحك، ثم انظر ماذا ترى!!.
أخى المسلم.. إنها دعوة للعودة إلى رب العباد، فى أيام الخير والبركات، وإنى لك لمن الناصحين، ولا أريد لك إلا الخير، فبادر – عبد الله- قبل أن تُبادَر، واطرق الباب، عسى أن تكون من المقبولين، فتصير من الفائزين، ووالذى نفسى بيده إنه لمن الصعب على من انفلت منه شهر رمضان دون أن يحدث توبة، ويعود إلى ربه، فلم يعتق من النار، من الصعب عليه بعدها أن يعود فى أيام تسلُّط الشياطين، وتَدَنِّى الهمم، وذهاب الجو الإيمانى.
قال الحق –جل جلاله-، وهو –سبحانه- الغنى عنى وعنكَ وعن العالمين: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾.
اللهم إنى أسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، أن توفقنى وجميع المسلمين فى شهرنا هذا، وساعتنا هذه، إلى توبة ترضى بها عنا، وأن تصلح قلوبنا، وتزكى نفوسنا، وتجعلنا من عبادك المخلَصين، وألا تخرجنا من هذا الشهر المبارك إلا وقد غفرت ذنوبنا، وأعتقت رقابنا من النار.
وصلى اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
"والحمد لله رب العالمين"
منقول بتصرف
نسمة ايمان