شابة سعودية تدفع ضريبة القسوة والتفكك الأسري
-----------------------------
-----------------------------
رحلة طويلة خاضتها الفتاة الجميلة نوف ذات الـ 26 عاماً قبل أن تصل الى «سيدتي» بعدما طرقت عيادة الطبيب النفسي طلباً للعلاج أو للموت فقد ضاقت بها الحياة رغم براحتها.
قصتها قد تكون قصة عشرات من الفتيات، وقد تكون عبرة لمن لا يعتبر. نوف لجأت لـ «سيدتي» وروت لنا تفاصيل حياتها وظروفها..
تمسح «نوف» دموعها وتبدأ حكايتها قائلة:
عشت بين أسرة متوسطة الحال، أب قاسٍ يعمل في العسكرية وأم لا حول لها ولا قوة، تتلقى الضرب والسب بشكل يومي وتتحمل فقط من أجل المعيشة وتتناول مضادات الاكتئاب لتستطيع الحياة مع أبي، وإخوتي مثلي يتعرضون للضرب أحيانا كثيرة ويتفرجون على عنف والدي تجاه أمي أحيانا أكثر، وأنا وحيدة طوال الوقت وأتعمد العزلة عن كل ما يدور حولي فبمجرد أن أرى أبي بدأ في الصراخ بوجه أمي اجري مسرعة الى اقرب مخبأ لي واضع يديَّ على أذني حتى لا اسمع صراخها ولا اخرج من مخبئي حتى يترك البيت، وصراخ أمي وبكاؤها المرتفع يتحول الى أنات مكتومة.
نشأت طفلة خائفة طوال الوقت مرتبكة دائما وابكي دون أن يشعر بي احد، خلال المرحلة الابتدائية كنت طفلة خجولة ولا توجد لي صديقات وكان مستواي الدراسي منخفضاً لأنه لم تكن هناك بيئة تساعدني على المذاكرة فكانت معلماتي دائما يشكين من قلة استيعابي وشرودي داخل الفصل ويفرقن في المعاملة بيني وبين زميلاتي في حين لم تسألني يوماً ما معلمة أو مشرفة اجتماعية ماذا بك؟!
السن الخطرة
في مرحلة الدراسة الثانوية تعرفت على فتاة اقتربت مني وبدأت بالاهتمام بي وكانت تسألني عن مشاكلي ووجدت منها اهتماماً كبيراً لم أجده مع أسرتي، وكنت احكي لها مشاكلي الشخصية فتستمع لي دائما دون اي ملل، وجدت فيها الصديقة التي كنت احتاج إليها لتقف بجواري بعد سنين طوال كنت فيها بمفردي.
بعد وقت قصير بدأت تعرض عليّ شرب السجائر لندخن معاً، ترددت قليلاً لكنني اعتدت على التدخين وبحكم الصداقة التي بيننا كنت اخرج معها ثم بدأت تعطيني أرقام شباب وتقول لي كلميهم لن يكلفك الأمر شيئًا، بل «ستخرجين معهم وتتعشوا وتنبسطوا» وتغيرين الجو الذي تعيشين فيه، بعد تردد وافقت لأني كنت ابحث عن كلام الحب والحنان، دور الرجل كان مفقوداً في حياتي بعدما فقدت والدي في حياته.
ضياع
بدأت فعلاً أتعرف على شباب وكان منهم شاب يكبرني بثماني سنوات وعرفني عن نفسه انه يعمل في إحدى المؤسسات وأعزب لم يسبق له الزواج ووعدني بأنه سيتقدم لخطبتي بمجرد تحسن ظروفه المعيشية، خرجت معه مرات عديدة ووجدت في معاملته لي تعويضاً عن الكثير مما كنت احلم به واستمرت معرفتي به عن طريق الهاتف وبعض الزيارات القصيرة خلال سنوات دراستي في الجامعة، بعدما تخرجت من الجامعة بدأ يطلب أن أراه بشكل يومي فكنت أوافق في أحيان كثيرة، حتى توطدت علاقتي به جيدا وأصبح هو الشغل الشاغل لي، ووثقت فيه ثقة عمياء وكنت أقول له عن كل صغيرة وكبيرة في حياتي وأعطيته أرقام هواتف البيت والعمل والجوال وصوراً كثيرة لي معه وكان يصورني بجواله.
وبعد فترة قصيرة طلب مني بدلا من التنقل بين المطاعم وتعرضي للخطر من أن يراني احد أن نذهب لبيته فهو أكثر أماناً وأخذ يقنعني بذلك، وبالفعل ذهبت معه فأنا أثق فيه ثقة عمياء، لكنه لم يكن أميناً معي وقال ان علاقتنا جدية وسوف أتزوجك ولن أتخلى عنك ثم قال بصوت خبيث: «لا تنسي صورك معي فأنت تثقين بي وبأني لن افعل ما يضرك» حاولت الخروج من المكان لم استطع، حاولت مقاومته لكني كنت ضعيفة أمام قوته، ووقع المحظور وجلست منزوية في ركن ابكي على ما فرطت فيه وعلى حياتي التي انتقلت من سيء لأسوأ وعلى الإنسان الذي كنت اعتبره ملاذي أصبح هو من أهلكني.
صدمة
في أثناء نحيبي اقترب مني وقال:
اعلمي أني متزوج ولدي زوجة أفضل منك ألف مرة وبنات لا أتمنى لإحداهن أن تكون رخيصة مثلك، ولا يمكن أن ارتبط يوماً ما بإنسانة خانت أهلها وانك ساذجة وغبية، وأردت أن أعاقبك على تهورك فأنت تستحقين كل ما حدث وسيحدث لك، ولو لم تخطئي معي لكنت أخطأت مع رجل غيري فكيف أثق بك؟ أتعرفين ماذا سأفعل الآن؟ سيكون صديقي مكاني.. وهكذا تركاني بعد فترة جثه هامدة، ثم ألقى بعد ذلك كل صوري في وجهي وقال: لن احتاجها بعد الآن.
قرار الموت
م اعرف للان كيف وصلت إلى البيت، وكيف مرت عليّ الشهور، انقطعت عن العمل وعن عائلتي لا اكلم أحداً، لا أنام، لا آكل، أصل الليل بالنهار بكاءً وخوفاً من الفضيحة، من أن يكتشف احد أمري، نادمة لدرجة الموت على ما فعلته، مع مشاعر أخرى بالكره لأبي الذي لم يكن يوماً أباً حنونًا أو محباً وأمي المستسلمة والمشغولة عني ولمت نفسي وتمنيت الموت.
راودتني فكرة الانتحار، وأنه لا توجد فائدة من حياتي ولا بد أن أضع النهاية التي استحقها، وحاولت الانتحار أكثر من 12 مرة وبطرق مختلفة مثل تناول الحبوب المنومة، أو ألقي بنفسي من اعلى البيت، وفي إحدى المرات حاولت إلقاء نفسي أمام سيارة ولكن في كل مرة كنت أجهز نفسي فيها لكل شيء كان هناك دائما وازع بداخلي يجعلني أتراجع في آخر ثانية، ولم أكن أملك الشجاعة الكافية لهذه الخطوة، ثم تحولت الحياة بالنسبة لي لسجن كبير أريد أن اهرب منه للموت.. إلى رحمة ربي.
ومع فقدان أي أمل في الغد أهملت مظهري وأصبحت شاردة وساهمة ولا أستطيع أن أخفي بكائي وسألتني أختي عن حالي وسبب بكائي ونحافتي الشديدة، ولماذا أعيش منعزلة عنهم وكنت أتعلل لها بأسباب وهمية منها مثلا «أني مصابة بالعين».
ولما طالت الأزمة وذهبوا بي إلى العديد من المعالجين ولم يكن هناك نتيجة، نصحتني أختي بالذهاب إلى الطبيب النفسي وبينما بداخلي أقول هل ذهابي إليه سيصلح ما حدث؟
أرجوكم.. استفيدوا من أخطائي!
توجه «نوف» تنبيها لكل الشباب والفتيات قائلة: أرجوكم لا تتساهلوا في العلاقة بينكم لأن هذه العلاقة التي قد يراها البعض في البداية علاقة محبة أشبه ما تكون بعلاقة ما بين البنزين والنار مهما كانت المغازلة بينهما لكن الحريق الهائل قادم لا محالة!
رأي الشرع
الداعية الإسلامي محمد الماجد يوضح ما حدث للفتاة كما يراه: إن ما حدث لهذه الفتاة هو اتفاق بينها وبين الشاب وحدث ما حدث نتيجة لضعف من الفتاة وثقة مفرطة أعطتها للشاب، واعتقد أن الفتاة قد تابت توبة نصوحة وعازمة بإذن الله على عدم الرجوع الى هذه الفعلة، لذلك توبتها صادقة ان شاء الله.
لكن ما يؤرقني هو مستقبلها وكيف ستواجه المجتمع إذا ما علم بفعلتها وأتمنى ان توفق في شخص محسن لها يتزوجها ويحقق لها الستر الذي تتمناه ويحتسب الأجر على الله، ومن ثم يساعدها على بداية حقيقية لحياتها.
وان كنت أتمنى أن يعود الرجل الذي اخطأ في حقها ويصلح من خطئه ويتزوجها لأنه تسبب في قتل إنسانة في شرفها وفي حياتها وعليه تصحيح هذا الخطأ بدلا من أن يحمل إثمه طوال حياته.
نهاية أم بداية
بعد كثير من التفكير ذهبت إلى طبيب نفسي قلت له كل ما حدث معي وكيف تم استغلالي طوال حياتي، وكيف فقدت ثقتي في كل العالم من حولي وفي كل الرجال، بعد عدد من الجلسات أصبحت أفضل فقد تقبلت ذاتي وابتعدت فكرة الانتحار عني وعدت مرة أخرى إلى عملي، ولكن ظلت المشكلة الأساسية التي تؤرقني وهي الزواج فالخطاب يأتون وليس لدي سوى حجة واحدة: لا استطيع الزواج... ما حدث بين والدي وما تعرضت له من ضرب في صغري جعلني غير راغبة بالزواج ولا أريد أن أعيش تجربة أمي.
الحمد لله عملي يوفر لي راتبا جيدا أعيش منه ولا احتاج إلى احد لكنني أفتقد العائلة، نعم استحق ما حدث لي فقد خنت ربي أولا وخنت أهلي، ولكن أيكون الثمن أني لا أستطيع أن افرح «بعيالي» لأني لا استطيع الزواج.
لهذا لجأت لـ «سيدتي» ومن خلالها اسأل هل هناك قلوب رحيمة بالفعل؟ هل يقبل الشاب أن يتزوج فتاة مثلي أخطأت وندمت وتريد أن تبدأ من جديد؟.
مستعد لإنقاذهن..
يطرح الاختصاصي النفسي وليد الزهراني فكرة ليست لهذه الفتاة فقط بل لمن كانت في مثل ظروفها ويحكي تفاصيلها قائلا:
مستعد لتبني فكرة تزويج أي فتاة تعرضت للاعتداء القهري عليها ودفعت ثمنا غاليا من التوبة والندم، وأكون وسيطا بينها وبين خاطبة تبحث لها عن الرجل المناسب والذي يقبل الزواج بها رغم الظروف التي مرت بها.
وعن الضوابط التي ستحكم هذه الفكرة يوضحها:
< مهمتي ستكون التأكد من صدق توبة الفتاة وحسن نيتها وحقيقة ندمها على ما فعلت، ومن المؤكد أنني سأضع الشروط التي تخدم هذا الهدف.
< أن يكون الرجل المتقدم للزواج من الفتاة راغبا في فعل ذلك لوجه الله ويكون راغبا في الزواج والاستقرار وبناء عائلة.
< أن تكون الخاطبة على خلق ودين وكاتمة للأسرار حتى لا تتعرض سمعة الفتاة للقيل والقال.
< من المؤكد أننا سنعمد الى السرية لمصلحة الجميع فالهدف الأساسي هو خدمة المجتمع وأن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
الرأي النفسي
الاختصاصي النفسي وليد الزهراني يعتبر أن الفتاة تعرضت لأسوء نوع من الاستغلال، نتيجة لكونها شخصية ضعيفة منذ الصغر وقد ساهم الجو العائلي المتوتر بشكل كبير فيما وصلت إليه ثم تحدث لـ «سيدتي» بشكل أكثر تفصيلا قائلا:
عندما جاءت نوف لأول مرة بالعيادة النفسية كانت فاقدة لكل معاني الحب والحنان ووصلت الى مفترق طرق بين الموت والحياة لأنها لم تكن ترى قيمة لوجودها أو لاستمرار حياتها خاصة بعدما فقدت عذريتها ومعها فقدت الأمل في أن تكون زوجة وأما بالمستقبل.
وعن دور أسرتها ومسؤوليتها عما حدث يقول:
بالطبع أسرتها مسؤولة مسؤولية مباشرة فأين كان الأب الذي اكتفى فقط بإعطاء الأوامر العسكرية؟ والأم التي كانت لا تتعامل مع أبنائها ولكن كل ما يشغلها فقط الزوج واتقاء شره؟ للأسف بعض الأسر بعيدة تماما عن أبنائها توفر لهم الإمكانات المادية وتتركهم بلا رقابة في حين لا تهتم بحاجتهم للحب والحنان والرعاية.
وإذا ما عدنا لشخصية نوف نجدها غير واعية لنتائج أعمالها فقد كان سهل التأثير عليها والانجراف وراء أي الشخصيات التى تتعامل معها وهذا ما حدث مع صديقتها التي تعرفت عليها وكذلك الشاب.
وعن تحليله لحالتها النفسية حاليا يقول الزهراني:
نوف أفضل الآن وحالتها النفسية مستقرة، وأن كانت تعاني من عقدة من الرجل مرتبطة بتجربتها الشخصية التي مرت بها، وفي الوقت الحالي تشعر باستحالة ان تكون زوجة أو أما بسبب خطئها مما يجعلها ليس لديها أي استعداد لتقبل الرجل.