اكتشاف أعمدة حجرية منصوبة في وادي الشوكي شمال الرياض بانتظار دارة الملك عبدالعزيز والفريق الأكاديمي لكشف غموض الأعمدة
كنت قد كتبت قبل اسبوعين في جريدة "الرياض" عن اكتشاف احجار منصّبة شمال وادي الدواسر، وكأني بالنشر عن تلك الاحجار أثار حفيظة الاعمدة المنصوبة في اماكن اخرى لترفع احتجاجاً صامتاً بعد معاناة انتصابها قرون عديدة دون ان يقف عليها احد ليحكي عن سرها وما كانت تؤديه من وظيفة في الازمنة الغابرة.
ففي يوم الخميس 1424/11/9ه قمت برحلة القصد منها الربط بين اعلام طريق من اقدم طرق القوافل التجارية لكي يسهل تحديد مسار الطريق وحصر اعلامه المتتابعة من صوى ومذيلات ودوائر حجرية، وكان رفيق هذه الرحلة الاستاذ "سعد بن عبدالعزيز السالم".
وقد خصصت هذه الرحلة للتجول في المنطقة الواقعة بين فج "العتك الاعلى" وبين مجرى وادي "الشوكي" ونظراً الى ان مرتفعات هذه الارض يصعب السير فيها لوعورة ارضها التي هي قضاف ذات حجارة خشنة، اما من يسلك ما اطمأن من الارض وكذا مجاري الاودية والشعاب فانه لن يشاهد شيئاً مما نتكلم عنه؛ ولهذا السبب قررنا المبيت في "روضة نورة" حتى تكون بداية رحلتنا في الصباح الباكر.
وقبل بزوغ الشمس كنا نرتقي الجانب الشمالي من فج "العتك" لنعتلي ظهر جبل العرمة من هذا الجانب، وكان سيرنا على سمت وسط مجرى وادي "الشوكي" وعندما اقتربنا من اعلى شعيب "الترباعة" بدأت تلوح لنا الاعلام من بعد، وكان اول علم نتوقف عنده ذيل طويل محكم البنيان وبمشاهدته فضلنا التوقف عند جار له من جهة الغرب اطول منه يشير باتجاه دائرة مقسمة قطرها خمسة وعشرون متراً بني فوق محيطها رجمين بارزين احدهما شمالي والآخر جنوبي، وقبل الاتجاه الى الدائرة استرعى انتباهنا وجود اعمدة حجرية منصّبة خُيل لنا انها تنادي على نفسها نظراً لبروزها لمن يمر بالقرب منها، وبما انها لا تبعد عن الذيل الذي توقفنا عنده سوى قرابة مائتي متر فقد سرنا اليها على الاقدام.
هذه الصفائح الحجرية المنصبة تمتد لمسافة مائة وخمسين متراً وهي متقاربة بعضها من بعض منها القائم المنتصب ومنها الذي كل طول القيام فاضطجع على الارض، وتتراوح اطوال هذه الاعمدة الحجرية من متر الى مترين، وقد امضينا عندها وقتاً ليس بالقصير حيث بهرنا وجودها على هذا النحو الغريب.
ان الحجارة الطويلة المركزة في الفيافي كانت كثيرة، اما في وقتنا الحاضر فيندر العثور عليها بسبب نقلها للاستخدام في اغراض بناء المساكن كاعتاب للابواب وماشابه ذلك.
وقد ورد ذكر الحجارة المنصبة على جواد الطرق في اقوال الشعراء، قال الاعشى:
وبيداء تحسب آرامها
رجال إياد بأجلادها
يقول الدليل بها للصحا = ب لاتخطئوا بعض ارصادها
وقال ذو الرمة:
كم دون مية من خرق ومن علم = كأنه لامع عريان مسلوب
وقال الشاعر ابن لجأ:
عسفت بهم داوية ماترى بها = هدى راكب الا صفيحا منصبا
في رحلتنا هذه وفي مساحة لا يتجاوز طولها سبعة عشر كيلاً وقفنا على العديد من الدوائر الحجرية الكبيرة المحكمة البنيان التي يبلغ قطر كل منها قرابة خمسون متراً، ولعل ما استولى على اهتمامنا منها واطلنا الوقوف عنده مثلما وقفنا عند الحجارة المركزة دائرة كبيرة قطرها خمسين متراً بجوارها من الشمال دائرتان اصغر منها ينطلق منهما شبه مثلث قاعدته مما يلي الدوائر ويستمر ليقف رأسه عند ركم كبير مصمت.. انها بالفعل اشكال محيرة تجعل من يقف عليها يسرح تفكيره في كل اتجاه عله يصل ولو الى وميض يهديه الى الغرض الذي وضعت من اجله وماذا تدل عليه.
ويقيني انه لن يتوصل الى معرفة الغرض الذي بنيت من اجله وكذلك ما ترمز اليه من دلالات مادامت التفسيرات التي حاكها حولها الرحالة الاجانب قائمة، وهي تفسير اقرب الى الخيال من الحقيقة.
ولعل المشروع الذي تحتضنه "دار الملك عبدالعزيز" بشأن دراسة طرق القوافل التجارية وما هو موجود على جوادها ولاسيما اعلامها المثيرة للجدل، هذا المشروع المشكل له فريق علمي اكاديمي من ذوي الاختصاص في هذا المجال، اقول لعل هذا يسفر عن نتائج وتفسيرات لهذه الظواهر الآثارية المحيرة. ويقيني ان مثل هذا لن يتحقق الا مع العزيمة وتضافر الجهود.
وبالله التوفيق.
منقول من جريدة الرياض