حديقة الغروب .. للشاعر ( غازي القصيبي )
خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ
أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟
***
أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت
إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟
***
أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا
يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ
***
والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بَقِيَتْ
سوى ثُمالةِ أيامٍ.. وتذكارِ
***
بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا
قلبي العناءَ!... ولكن تلك أقداري
***
أيا رفيقةَ دربي!.. لو لديّ سوى
عمري.. لقلتُ: فدى عينيكِ أعماري
***
أحببتني.. وشبابي في فتوّتهِ
وما تغيّرتِ.. والأوجاعُ سُمّاري
***
منحتني من كنوز الحُبّ.. أَنفَسها
وكنتُ لولا نداكِ الجائعَ العاري
***
ماذا أقولُ؟ وددتُ البحرَ قافيتي
والغيم محبرتي.. والأفقَ أشعاري
***
إنْ ساءلوكِ فقولي: كان يعشقني
بكلِّ ما فيهِ من عُنفٍ.. وإصرار
***
وكان يأوي إلى قلبي.. ويسكنه
وكان يحمل في أضلاعهِ داري
***
وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكنْ بَطَلاً
لكنه لم يقبّل جبهةَ العارِ
***
وأنتِ!.. يا بنت فجرٍ في تنفّسه
ما في الأنوثة.. من سحرٍ وأسرارِ
***
ماذا تريدين مني؟! إنَّني شَبَحٌ
يهيمُ ما بين أغلالٍ.. وأسوارِ
***
هذي حديقة عمري في الغروب.. كما
رأيتِ... مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ
***
الطيرُ هَاجَرَ.. والأغصانُ شاحبةٌ
والوردُ أطرقَ يبكي عهد آذارِ
***
لا تتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي
فبين أوراقِها تلقاكِ أخباري
***
وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكن بطلاً
وكان يمزجُ أطواراً بأطوارِ
***
ويا بلاداً نذرت العمر.. زَهرتَه
لعزّها!... دُمتِ!... إني حان إبحاري
***
تركتُ بين رمال البيد أغنيتي
وعند شاطئكِ المسحورِ.. أسماري
***
إن ساءلوكِ فقولي: لم أبعْ قلمي
ولم أدنّس بسوق الزيف أفكاري
***
وإن مضيتُ.. فقولي: لم يكن بَطَلاً
وكان طفلي.. ومحبوبي.. وقيثاري
***
يا عالم الغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه
وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري
***
وأنتَ أدرى بإيمانٍ مننتَ به
علي.. ما خدشته كل أوزاري
***
أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي
أيرتُجَى العفو إلاّ عند غفَّارِ؟