قصة المبايعة ليزيد من كتاب البداية والنهاية
جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير عن مبايعة معاوية ليزيد ما يلي:
سنة ست وخمسين وفيها دعا معاوية الناس إلى البيعة ليزيد ولده أن يكون ولى عهده من بعده .
ركب معاوية إلى مكة معتمرا فلما اجتاز بالمدينة مرجعه من مكة استدعى كل واحد من هؤلاء الخمسة(عبد الله بن عمر، وابن عباس ،والحسين رضي الله عنه ،وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر) فأوعده وتهدده بانفراده فكان من أشدهم عليه ردا واجلدهم فى الكلام عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق وكان ألينهم كلاما عبد الله بن عمر بن الخطاب ثم خطب معاوية وهؤلاء حضور تحت منبره وبايع الناس ليزيد وهم قعود ولم يوافقوا ولم يظهروا خلافا لما تهددهم وتوعدهم فاتسقت البيعة ليزيد فى سائر البلاد .
وقد كان معاوية لما صالح الحسن عهد للحسن بالأمر من بعده فلما مات الحسن قوى أمر يزيد عند معاوية ورأى أنه لذلك أهلا وذاك من شدة محبة الوالد لولده ولما كان يتوسم فيه من النجابة الدنيوية وسيما أولاد الملوك ومعرفتهم بالحروب وترتيب الملك والقيام بأبهته وكان ظن أن لا يقوم أحد من أبناء الصحابة فى هذا المعنى .
ولهذا قال لعبد الله ابن عمر فيما خاطبه به : ـ "إنى خفت أن أذر الرعية من بعدى كالغنم المطيرة ليس لها راع."
فقال له ابن عمر: ـ " إذا بايعه الناس كلهم بايعته ولو كان عبدا مجدع الأطراف "
وقد عاتب سعيد بن عثمان بن عفان معاوية فى ولايته يزيد وطلب منه أن يوليه مكانه ، وقال له سعيد فيما قال : ـ "إن أبى لم يزل معتنيا بك حتى بلغت ذروة المجد والشرف وقد قدمت ولدك على وأنا خير منه أبا وأما ونفسا "
فقال معاوية له: ـ " أما ما ذكرت من إحسان أبيك إلى فانه أمر لا ينكر وأما كون أبيك خير من أبيه فحق وأمك قرشية وأمه كلبية فهى خير منها وأما كونك خيرا منه فوالله لو ملئت إلى الغوطة رجالا مثلك لكان يزيد أحب إلى منكم كلكم"
وأثرعن معاوية أنه قال يوما فى خطبته :
ـ "اللهم إن كنت تعلم أنى وليته لأنه فيما أراه أهل لذلك فأتمم له ما وليته وإن كنت وليته لأنى أحبه فلا تتمم له ما وليت"
وحين حضرت معاوية الوفاة كان يزيد فى الصيد فاستدعى معاوية الضحاك بن قيس النهرى وكان على شرطه دمشق ومسلم بن عقبة فأوصى إليهما :
ـ " أن يبلغا يزيد السلام ويقولان له يتوصى بأهل الحجاز وإن سأله أهل العراق فى كل يوم أن يعزل عنهم عاملا ويولى عليهم عاملا فليفعل فعزل واحد وأحب إليك من أن يسل عليك مائة سيف وأن يتوصى بأهل الشام وأن يجعلهم أنصاره وأن يعرف لهم حقهم ولست أخاف عليه من قريش سوى ثلاثة الحسين وابن عمر وابن الزبير ولم يذكر عبد الرحمن بن أبى بكر وهذا أصح فأما ابن عمر فقد وقدته العبادة وأما الحسين فرجل ضعيف وأرجو أن يكفيه الله تعالى بمن قتل أباه وخذل أخاه وإن له رحما ماسة وحقا عظيما وقرابة من محمد صلى الله عليه وسلم ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه فان قدرت عليه فاصفح عنه فأنى لو صاحبته عفوت عنه وأما ابن الزبير فانه خب ضب فان شخص لك فانبذ إليه إلا أن يلتمس منك صلحا فان فعل فاقبل منه واصفح عن دماء قومك ما استطعت".
ويقال إن معاوية حين قدم المدينة في أول حجة حجها بعد اجتماع الناس عليه لقيه الحسن والحسين ورجال من قريش فتوجه إلى دار عثمان بن عفان فلما دنا إلى باب الدار صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها فقال معاوية لمن معه انصرفوا إلى منازلكم فان لى حاجة فى هذه الدار فانصرفوا ودخل فسكن عائشة بنت عثمان وأمرها بالكف وقال لها فيما قال:
ـ "يا بنت أخى إن الناس أعطونا سلطاننا فأظهرنا لهم حلما تحته غضب وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد فبعناهم هذا بهذا وباعونا هذا بهذا ، وأن تكونى ابنة عثمان أمير المؤمنين أحب إلى أن تكونى أمة من إماء المسلمين ونعم الخلف أنا لك بعد أبيك"
وقال محمد بن سيرين جعل معاوية لما احتضر يضع خدا على الأرض ثم يقلب وجهه ويضع الخد الآخر ويبكى ويقول
ـ "اللهم إنك قلت فى كتابك إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء اللهم فاجعلنى فيمن تشاء أن تغفر له "
ولا خلاف أنه توفى بدمشق فى رجب سنة ستين وصلى عليه ابنه يزيد وقد أوصى إليه أن يكفن فى ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كساه إياه وكان مدخرا عنده لهذا اليوم وأن يجعل ما عنده من شعره وقلامة أظفاره فى فمه وأنفه وعينيه وأذنيه .
وعن موضوع بيعة معاوية ليزيد كتب الأستاذ الجليل أبوعبد الله الذهبي ما يلي في طتابه ( دفع البهتان عن معاوية بن أبي سفيان ( بتصرف ) :
بدأ معاوية رضي الله عنه يفكر فيمن يكون الخليفة من بعده ، ففكر معاوية في هذا الأمر و رأى أنه إن لم يستخلف و مات ترجع الفتنة مرة أخرى .
فقام معاوية رضي الله عنه باستشارة أهل الشام في الأمر ، فاقترحوا أن يكون الخليفة من بعده من بني أمية ، فرشح ابنه يزيد ، فجاءت الموافقة من مصر و باقي البلاد و أرسل إلى المدينة يستشيرها و إذ به يجد المعارضة من الحسين و ابن الزبير ، و ابن عمر و عبد الرحمن بن أبي بكر ، و ابن عباس . انظر : تاريخ الإسلام للذهبي – عهد الخلفاء الراشدين – (ص147-152) و سير أعلام النبلاء (3/186) و الطبري (5/303) و تاريخ خليفة (ص213) . إلا أن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما قد بايعا فيما بعد طوعاً ليزيد .
</B></I>