د أن قيادة المرأة للسيارة قادمة والمعارض لها عليه أن يدق رأسه في الجدار أو يشرب من البحر الأحمر
زهير كتبي لـ "سبق": يستخدمون الدين والوطنية لتبرير فسادهم وأخطائهم وتجاوزاتهم
- آمل أن يستقيل وزير التربية والتعليم ويتفرغ لمواهبه الأخرى وأن يفهم الأمير خالد بن طلال أن الجاهلية مضت ونعيش التنوير.
- تركي السديري "عنصري" وهاشم عبده هاشم "متكبر" ولا أثق في صدق ومصداقية الجحلان.
- أكلنا مقلب "عبارة ساذجة وغبية" أننا دولة لنا خصوصية.
- مشكلتنا الكبرى أننا شعب كثير النسيان وقابل للبلاهة والسذاجة ونعيش حالة انغلاق شديدة.
- الصحوة عرت أجساد البعض وكشفت زيفهم وخداعهم وكذبهم على هذا الشعب المسكين وشوهت سمعتهم ومكانتهم.
- الثورات العربية أخرجت لنا وحوش وبرابرة تنهش في جسد الشعوب بالانتقام والتأثر السياسي وتصفية الحسابات.
- المال "السايب" يعلم السرقة والاختلاس والدول الرخوة والكسولة هي التي يطوقها الفساد من كل الجهات.
- أصبحت صحافتنا شديدة التوظيف لخدمة المصالح الشخصية لكبار المسؤولين.
- لسنا في حاجة لـ "مزابل الإبل" لأنها خلقت فتناً جديدة وأثارت نعرات طائفية ومناطقية.
- الكتابة في وطني يتصدرها المتسولون ومحبو السفر مع المسؤولين والفرحون بالظروف المنتفخة بالدولارات.
- الدلع والترفيه والرفاهية والثقافة والاستهلاكية وفراغهم قاد شبابنا إلى ارتكاب حماقات تلو حماقات.
- اقترحت تسمية "هيئة الصحافيين" بـ "حظيرة الصحافيين" فزعلوا مني.
حاوره: شقران الرشيدي- سبق- الرياض: يقول الكاتب المعروف والأديب البارز الدكتور زهير كتبي: "الكثيرون يستخدمون الدين والسياسة والوطنية كشعارات لتبرير فسادهم وأخطائهم وتجاوزتهم، بل فشلهم في إدارة المهام المكلفين بها، ونجد أنفسنا أمام فئة تحاكم نوايا الناس وليس أفعالهم وأقوالهم". وقال في حواره لـ "سبق": "عرفت الكثير من أوجه الفساد والقصور والسلبيات في الوزراء والأجهزة الحكومية، وأظهرتها على السطح، ولم أعد أثق في أحد كائناً من كان، ولا أستطيع تصديق ابتسامات الناس لي". مؤكداً أن تطوير التعليم يكون حين يقوده ويتربع على إدارته الرجل المناسب في المكان مناسب، مؤملاً أن يستقيل وزير التربية والتعليم من منصبه ويتفرغ لمواهبه الأخرى. مشيراً إلى أن "قضية قيادة المرأة للسيارة لا تستحق منا كل هذا الاحتراق من الوقود الكلامي والجدلي، فقيادة المرأة للسيارة قادمة قادمة رغم أنوف الجميع".
كما تطرق لعدد من المحاور في الشأن العام، وقضايا الصحافة، والشباب، ودول الربيع العربي، وحرية التعبير، والحوار الوطني.. وغيرها من التساؤلات التي أجاب عنها الدكتور والأديب زهير كتبي بجرأته المعتادة، وبإجابات لا تعرف المجاملة، فإلى تفاصيل الحوار.
* بعض الأفكار التي يتم تداولها هذه الأيام كالحلوى المخلوطة بمادة "الميلامين" السامة فيها استعجال ورداءة صنعة.. أليس كذلك؟
- هذا صحيح، نحن في هذه البلاد المباركة حالنا مثل حال المرأة المخطئة التي لا تشعر بالإثم والخطيئة والألم الشديد، إلا عند لحظة المخاض أو الولادة، فترجو من الله النجاة، والسلامة، وتدعو بأجمل وأرقى معاني الدعاء. وعندما تلد وتنجو وتستعيد عافيتها، تعود لممارسة خطيئتها، وتنسى كل لحظات التعب النفسي والجسدي. مشكلتنا الكبرى أننا شعب كثير النسيان، وقابل للبلاهة، والسذاجة، وهذا ما جعلنا نعيش حالة انغلاق شديدة، تنمو أبعادها السلبية، ونعيش أيضاً حالة من النرجسية جعلتنا ننظر للعالم باستخفاف، وكبر، وتكبر، وغرور، وكأننا شعب الله المختار، وأكلنا مقلب عبارة ساذجة وغبية، وهي أننا دولة لنا خصوصية، وهذا صحيح لأننا حتى في تخلفنا لنا خصوصية التخلف وبكل مقاوماته.
* إلى أي مدى تعتقد أن المجتمع السعودي كالسبورة البيضاء كل يجرب حظه في الكتابة عليها بالطباشير الملون؟
- إلى حد بعيد، رغم الدلع، والتدليع، والرفاهية، والعنج، والترويق، والتزويق الدعائي، الذي يكتب على تلك السبورة ويسودها بالكذب والنفاق والرياء والمداهنة، إلا أن ذلك فخ وقعنا فيه بغباء. بل فرحنا بكثير مما كتب على تلك السبورة وصفقنا له. وهناك مثل مكي يقول: "فرح الحمار بكلمة (أوش) لأن الحمار يغضب لو قلت له لو سمحت وسع الطريق". إن بعض ما كتب على تلك السبورة أظهر لنا شنبات غليظة ولكنها لا تعبر عن الرجولة، وأظهرت فينا كروشاً من ملح تذوب بمجرد سقوط قطرة ماء عليها. ولم نرفض ما كتب على تلك السبورة باعتباره كلاماً مفرغاً من محتواه، ودعاية فاشلة لا يلتفت لها التاريخ.
* حسناً.. يقولون: د. زهير كتبي مثل "الزلزال في مدينة يابانية لا يحدث كل صباح ولكنه متوقع في كل لحظة".. فما أسباب حدوث "هزاتك" وما أبرز توابعها لنتجنبها؟
- هذا أجمل وصف لحال زهير كتبي، وأعتز وأفتخر به كثيراً فالزلزال له مخرجات إيجابية كثيرة تفيد المواقع التي يضربها فقد يسقط القديم، ما يضطر الإنسان لإعادة البناء. والله جلت قدرته حين جعل الزلازل أحد أهم الكوارث الطبيعية على الأرض أراد الجبار المتكبر أن يذكرنا بقدرته وجبروته أنه قادر على أخذنا على غفلة. ولم أكتب من أجل تسجيل الخبطات الصحافية بل كتبت للإضاءة على مواقف وطنية. وأنا حين أكتب في كل حين فلا أكتب إلا من رغبة صادقة أسعى من خلالها لتذكير المسؤول أياً كان مستواه الوظيفي، وارتفاع سقفه نحو الرأس أو الأعلى أو انخفاضه نحو الأفق، أننا نراقبه ونتابعه ونرصده. ولأن كثيراً من المسؤولين لدينا أكل عليهم الدهر وأصبحت عقولهم شتى، وفقدوا الكثير من قوة أحاسيسهم أو حواسهم العقلية أو الفكرية أو السمعية أو النظر، فهم يحتاجون إلى صرخة تفوقهم من سباتهم العميق، ويحسب كل واحد منهم أن تلك الصرخة عليه. فعادة وكما يحلو لك وصفي بأنني زلزال.. فالزلزال قد يسبب الكثير من أنواع الرياح أو الريح، التي قد تكون نوعاً من أنواع العذاب وفي القرآن المجيد أن الله تعالى أهلك عاداً "بريح صرصر عاتية". فأنا وغيري من أبناء هذا الوطن نشعر، وشعرنا أن كثيراً من المفاصل الإدارية والدينية، والثقافية تمر في حياتها العملية بغفلة الصالحين أو سبات البلهاء أو دروشة الدراويش، وكثير منهم يستخدم الدين والسياسة والوطنية كشعارات وغيرها، لتبرير فسادهم وأخطائهم وتجاوزتهم، بل فشلهم في إدارة المهام المكلف بها. وكل ذلك تحت مظلة المصطلح السياسي والديني والمصلحة العامة والمؤلم، حقيقة، والذي يجعلني زلزالاً.. كما وصفتني، أن المفاصل الفاعلة، وكثير من الوجهاء والوزراء يجعل الشعب عدوه، الأول أثناء عملية الإصلاح وهذا أكبر خطأ يرتكب، وأنا أفعل تلك الزلزال خوفاً على وطني المبارك.
* أما تزال تشطب الأسماء من قوائم الثقة التي أعطيتها لكثير من الناس فيما مضى؟
- عندي مشكل حقيقي، وهو نفسي.. إنني لم أعد أثق في أحد كائناً من كان، ولا أستطيع تصديق ابتسامات الناس لي، ولا تؤثر في كلمات المديح والثناء لقناعتي إنها أقوال وأفعال ومواقف كاذبة ومزيفة.
* يراك البعض مفكراً اجتماعياً، والبعض الآخر يؤكد أنك إصلاحي، في حين أن "بعض" البعض يعتقد أنك ناشط سياسي، بينما آخرون يعتبرونك أصدق كاتب سعودي.. كيف ترى نفسك؟
- كلها، بلا تواضع، ولا كبر، ولا ادعاء، قلبي يتسع للجميع لكن صفحات الصحف والكتب لا تفعل ذلك معي. فأنا ولدت إنساناً حراً وكبيراً ووطنياً ومتديناً بطبعي الفطري، ومن عائلة اشتهرت بالالتزام الديني وهي عائلة علم ومعرفة. ومارست كل الصفات التي ذكرتها عني، وعشت كل مرارات البداية ولكن لم ولن أقف للانحناء أو الإصغاء لكائن من كان. لأن ضميري، ومبادئ وقيمي ووطني تعمل بتفان وإخلاص وحب للوطن والمواطن. ولم أرتد "البالطو" الأبيض أو "البشت".. لكي أتجول به في المشهد العام. وعرفت البعض الكثير من أوجه الفساد، والقصور، والسلبيات في الوزراء والأجهزة الحكومية، وأظهرتها على السطح. لا أدعي أنني أحد المبشرين بالجنة، أو من الملائكة، لكني مكي عربي سعودي، أملك كل صفات المواطن السعودي الإيجابية والسلبية. أحاول تجنب الالتواء في المواقف أو الكذب أثناء الكتابة أو التهرب من مسؤولياتي الدينية والوطنية والإصلاحية. ولم أعد كما كنت في شبابي وحماسته ابحث عن الشهرة أو الفرقعات الإعلامية، ولم أنتهك الحرمات. لقد تعرضت في حياتي لكثير من التنوعات الاتهامية الباطلة، وهذا النوع من الناس هم المتطرفون في السلوك والفكر والنفس، إنهم مرضى بنوع نادر من الأمراض المستعصية على العلاج. فقد نالتني تهم مثل: مرتد وكافر، وعلماني، وعميل للدولة، رغم إدخالي السجن عدة مرات، وعميل لإسرائيل ومن زوار السفارات، وغيرها من التهم المرتبطة بالأخلاق وحرمتها. إنها فئة هجومية مجتمعية يعكرون صفو المجتمع، ويحاربون الإبداع والمبدعون ويقاومون الإصلاح والمصلحين. لقد كتبت ضدي كتابات هجومية نادرة بعضها كتب على "جدران الحمامات"، ولم تستطع تلك الكتابات ولا الجدار ولا الأبواب الصمود والوقوف أكثر، فلقد سقطوا وسقطت كتاباتهم.
* رغم أن جنة الخالق سبحانه وتعالى عرضها السموات والأرض إلا أن هناك من يخرجنا منها على مزاجه، ويقول: "لا يوجد لكم مكان فيها".. كيف نفهم ذلك؟
-هذه الفكرة ليست بجديدة علينا فهي من طبائع البشر، وكل أمة ومفكروها وعلماؤها وفقهاؤها ومثقفوها تعاني من ظروفها وتحدياتها وأزماتها المختلفة. واليوم كل واحد يريد دفع من يقف أمامه للأمام لا حباً فيه، بل للتخلص منه ليقف هو في مكانه ليراه الكل. اليوم حالنا مثل المرأة المخطئة التي تابت توبة نصوحاً، ثم أرادت أن تكون داعية إسلامية، فالمجتمع يرفضها لأنه غير واثق من صدقها، ويشك في مصداقيتها وتوبتها. لأننا شعب أصبحنا نجد أمامنا أن فئة بذاتها تحاكم نوايا الناس وليس أفعالهم وأقوالهم، فالدخول للنوايا حالة حارقة للداخل في النوايا وأيضا للواقف الذي وافق على محاكمة نواياه. وحكى لنا التاريخ أن البرابرة المتوحشين لا تستطيع أكل أجساد البشر إلا إذا كانت كاملة الأعضاء، لكن اليوم البرابرة المتوحشون يأكلون كل شيء مكتمل أو غير مكتمل. لقد سيطر البرابرة على المشهد العام وهذه مصيبتنا الكبرى ونحن غفلنا أو تغافلنا عن هؤلاء أنهم ينمون ويكبرون أمامنا وفي دواخلنا وهذه مصيبة أخرى.
* قلت في أحد لقاءات هيئة الصحفيين: تركي السديري "عرمرم وعنصري"، وهاشم عبده هاشم "متكبر".. وذلك بسبب عدم حضورهما لقاء صحفيي مكة المكرمة.. ألم تكن قاسياً عليهما كثيراً بتلك الكلمات؟
- نعم قلت ذلك، وعتابي الشديد والخاص على أخي الكبير الدكتور هاشم عبد هاشم لأنه لم يحضر وكذب عليّ الأخ فهد الحيوي منسق الهيئة قائلاً إن الدكتور هاشم سوف يحضر اللقاء وسررت لاعتقادي أنني سأقول ما لدي، والدكتور هاشم يجيد فن الاستماع. وهاشم تخرج من الصحافة المكية الحجازية؛ فغضبت غضباً شديداً لعدم حضوره، لأنني لا أثق في صدق ومصداقية الجحلان الأمين العام لهيئة الصحفيين فجاء لمكة المكرمة ليعطينا دروساً خصوصية في الصحافة. ونسي أنه كان يجلس أمام أستاذته في الصحافة ولكنها العنصرية والمحسوبيات. فأنا أقدم من الجحلان في مهنة الصحافة وأروقتها.
* كتبت ذات مرة: "الاستبداد يولد الاستكبار، وهذا يقود إلى العناد، وهذا يؤدي إلى الفجور، وهذا كله ناتج عن "الاستحمار" الذي يقود القرار العربي اليوم". فهل مثل هذا الطرح يليق بكاتب يتناول شؤون الأمة؟
- هل الصراحة، والشفافية، والوضوح لا تليق عند النقد فظاهرة
"الاستحمار".. منتشرة ومتسيدة في المشهد العام ببلادنا، رحم الله المفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي الذي وضع لهذه الظاهرة كتاب. فماذا تسمى ما يقع في سوريا، ومصر، وتونس، والعراق، واليمن وغيره من فتن وصراعات وتحديات؟ وما تفسير هذه الفوضى وهذا الجنون، والتخبط في القرارات أليست هذه أدلة دامغة على الاستحمار، وما أكثر الحمير الذين يقودون أمتنا. كان الحكام في الزمن الماضي كانت لهم الهيبة، والكلمة، والقرار وجعلوا ممن حولهم من الحاشية من الوزراء، والحجاب والموظفين الكبار، والمستشارين بلا عمل مؤثر في القرار، إلا التطبيل والتصفيق للحكام. واليوم انعكس الوضع فالحاكم بلا عمل، ولا قرار، والحاشية والمستشارون هم أصحاب القرار فقادوا بلاد العرب إلى الهلاك والتدمير.
* تطوير التعليم، الحوار الوطني، الإعلام، قيادة المرأة للسيارة، توزيع الثروة، حرية التعبير.. لماذا نتعامل مع هذه المتطلبات كمشاكل ينبغي حلها؟
- لم ولن يتطور التعليم حين يقوده ويتربع على إدارته إلا الرجل مناسب في المكان مناسب. وآمل أن يستقيل وزير التربية والتعليم من منصبه ويتفرغ لمواهبه الأخرى مثل: التصوير، والعمل في الكشافة والسفر. أما الحوار الوطني فلقد سيطرت عليه المحسوبيات، والعنصريات، والمناطقية، وأعطني توصية أو قرار نفذها الحوار الوطني. أما قضية قيادة المرأة للسيارة فلا تستحق منا كل هذا الاحتراق من الوقود الكلامي والجدلي وقيادة المرأة للسيارة قادمة، قادمة رغم أنوف الجميع والرافض لها عليه أن يدق رأسه في الجدار أو يأتي إلى جدة ويشرب من ماء البحر الأحمر، أو يذهب لصحراء الربع الخالي وينتحر هناك دون أن يعلم عنه أحد. أما موضوع توزيع الثروة فكأنك تدخل منطقة ملغومة ومكهربة وقاتلة.
* هل التحولات الحالية في دول الربيع العربي المتسارعة ستقود للإصلاح والديمقراطية الحقيقية؟
- لحد ما، بل أعتقد أن بعض الدول العربية الثورية ستلد بها دكتاتورية مستبدة جديدة تتغطي بعباءة التدين، وهي أخطر بكثير من المستبد السياسي السابق. لأن الثورات أخرجت لنا وحوش مثل البرابرة تريدان تنهش في جسد الشعوب بالانتقام والتأثر السياسي وتصفية الحسابات، أنهم نوعاً من أنواع أكلي لحوم البشر. وسيكون الإصلاح أعرج وأعمى لا يعرف طريقه ولا غايته. فأصبح الإصلاح بسبب الغباء السياسي الذي تقوده الجماعات الإسلامية ضيف ثقيل الظل على الشعوب. والثورات أظهرت لنا الاستبداد الجديد، والجاهل السياسي، والعسكري، وباستكبار، وعناد كالبطل الفارس العربي الشهير الزير سالم وأخيه كليب التغلبي الذي قاد حرب البسوس لمدة أربعين عاماً وأفنى قبائل بسبب ناقة.
* ثقافة الخروج عن الأنظمة تعود لحرمان الشعوب من الحرية.. هل تتفق؟
- أول أنا ضد الخروج على ولي الأمر، فالإصلاح لا يكون بالخروج على الحاكم. أتفق معك تماماً، وهي إحدى محركات الكرامة والعزة الآن، ولكن الجوع والتجويع، والفقر، والقهر، والظلم، وقهر وامتهان العدالة الاجتماعية، وامتهان رجولة الرجال هي التي خرجت الشعوب للشارع لتدافع عنها.
* رغم الطفرات الاقتصادية ما نزال نعيش أوضاعاً غير مريحة كالتراخي، والبطالة، والفراغ الفكري، والهروب للإمام وغيرها كثير.. ما تعليقك؟
- أعتقد وقد أكون مخطئاً أننا لم نعش طفرات اقتصادية حقيقة بل عشنا طفرات مالية، ولكن عشنا أمراضاً وأوجاعاً، ومنغصات الطفرات الاقتصادية التي خلقت لنا حضارة إسمنتية سببت لنا الأمراض والأوجاع. وشوارعها ابتلعت شباب الوطن لعدم وضعها وفق مقاييس السلامة والأمان. هذه الطفرات دفعت بأبنائنا وشبابنا إلى التراخي والكسل والبطالة، وحبهم للدلع، والترفيه، والرفاهية واعتمادهم على الثقافة والاستهلاكية، وفراغهم قادهم إلى ارتكاب حماقات تلو حماقات.
* أما نزال نحتاج باب "سد الذرائع" للتعامل مع بعض التطورات الجديدة في المجتمع؟
- مبدأ سد الذرائع، أعتقد أننا المجتمع الوحيد في الكون الذي أساء لهذا المبدأ الإسلامي العظيم والحضاري. في المراحل الماضية كان قوياً مثل قوة سد مأرب باليمن وهذا السد هو الذي جعل اليمن تسمى باليمن السعيد، ثم جاء فأر صغير وتسبب في انهياره، وهلك الشعب اليمني. فسد الذرائع سقطت قيمته بسبب "نخز وزنزنة" بعض الفئران الذين أسقطوا هيبته، فلم يعد يحتملنا هذا المبدأ، بل إنه رفضنا ورفض حمولاتنا وأوجاعنا، ولم نفهمه كما ينبغي.
* ما أسباب تزايد الفساد المالي والإداري في مجتمعنا رغم قيمنا الاجتماعية المحافظة، وتعاليم الدين التي تحرم ذلك؟
- المال السايب يعلم السرقة والاختلاس، والدول الرخوة والكسولة هي التي يطوقها الفساد من كل الجهات، بسبب التراخي في تطبيق الأنظمة، وإذا طبق النظام فعلى الضعفاء والفقراء أما إذا سرق الشريف يقدم له مبررات سرقته وفساده.
* بصراحة.. هل الفكر والكتابة في مجتمعنا يحتاجان، بسبب مصالح الحياة، إلى مواهب "المتسولين"؟.
- هذا صحيح فالكتابة الصحافية، والتلفزيونية في وطني يتصدرها المتسولون الذين يحبون السفر مع المسؤولين في رحلات الصيد، والمؤتمرات، والندوات ويفرحون بالظروف المنتفخة بالدولارات الأمريكية، وهذا النوع من الكتاب كلما حكى له عن الفساد تكلم معك بلغة الكبار بقوله "لعله خير"، وهذا النوع من الكتاب يحب التعارك مع الضعفاء فقط. وهم أحد أهم عناصر الفساد في بلادنا لأنهم سيطرون على منابع الكتابة.
* ماذا يتطلب الإصلاح، والتطوير، والتحديث في مختلف شؤون الدولة؟
- الصرامة والحزم والشدة في تطبيق الأنظمة. والصراحة، والشفافية، والإخلاص وتمكن اليقين الإيماني لدى أصحاب القرار بنية الإصلاح، والمصارحة مع الشعب والمواجهة والمكاشفة العلنية.
* "أباطرة" صحافتنا حولوا صفحاتها إلى ما يشبه سفرة طعام في المطاعم الرخيصة، ما تعليقك؟
- للأسف الشديد في هذه المرحلة وقبلها أصبحت الصحافة شديدة التوظيف لخدمة المصالح الشخصية للمفاصل الرئيسة لكبار المسؤولين. نقول للعقلاء من كبار الصحافيين والكتاب وأصحاب العقد والحل في أروقة الصحافة لنجعلها في خدمة الوطن والمواطن أولاً ثم تفرغوا لإشباع شهواتكم التي لم ولن تشبع. نتعاون لكي نتحدث عن تحديات هذه المرحلة بلغة وثقافة يحيطان بمكانة مماثلة ومتوازنة لأجل تبادل الرأي والمشورة من دون وجود طرف أمر وآخر مأمور، حتى تصبح صحافتنا هي السلطة الرابعة الحقيقة. فيحترمنا الوطن والمواطن والتاريخ والعالم.
* إلى أي مدى أخذت مهرجانات "مزايين الإبل" الشباب -بفعل فاعل- من خطاب متطرف إلى خطاب متخلف، كما يقال؟
- أنا أطلقت عليها "مزابل الإبل" لأنها خلقت فتناً وولدت فتناً جديدة، وأثارت نعرات طائفية ومناطقية. نحن لسنا في حاجة لها. ولدي شك أنها أصبحت إحدى مخرجات عمليات غسيل الأموال وتبييضها. فهل من المعقول أن يصبح سعر جمل 60 مليون ريال؟ فالحيوان في بلادنا أصبح أغلى من الإنسان. والله جلت قدرته كرم الإنسان.. والله هذه فضيحة عالمية، أليس من الأولى والأنفع للوطن والمواطن أن تصرف هذه الملايين على قنوات الفقر والفقراء، سندفع ثمن هذا البطر على النعمة كما دفعه غيرنا.
* هل فعلاً خاتمة نزاع الصحوة والحداثة كانت السجون، والتطرف، والتكفير والتفجير؟
- نعم هذا ما قاله واقع بلادنا، ومشهدنا العام السياسي والديني، والثقافي والفكري والصحافي. أرقي ما في تلك المعارك والحروب والصراعات، أنه ولله الحمد لم يمت أي أحد من المحاربين (شهيداً) بل خرج كثيرهم مثقل بالجراح والدماء التي لطخت وجوهم وثيابهم، وعرت أجسادهم وكشفت زيفهم وخداعهم وكذبهم على هذا الشعب المسكين وشوهت سمعتهم ومكانتهم.
* دائماً عندما تحضر ملتقى أو ندوة أو برنامج تلفزيوني تشعل الأجواء، وتثير ردود فعل متباينة.. لماذا أنت سريع الاشتعال هكذا؟
- هذه طبيعة من طبائع الوطنيين من أبناء الشعوب، الذين يرفضون الكذب، والاستخفاف بعقولهم والاستهانة بكرامتهم وعزتهم والتقليل من وطنيتهم، فلقد مللنا من الكذب والنفاق والمداهنة والمجاملات واللف والدوران. ونريد أن نسمع تصورات حقيقية. وأنا بطبعي لا أنتظر اللحظة لتأتي، بل أذهب إليها وأعمل أن تفوق الناس من سباتها ونومها. ولو أدى بي الأمر أن أصب الماء البارد عليهم، وإلا فأضطر إلى استخدام ماء النار وكشها في وجوههم وهي تحرق بسرعة بحيث لا يعذب المحروق النائم.
* ترى أن هيئة الصحفيين السعوديين لم تقم بواجبها كما يجب في حماية الصحفيين، هل ذلك لأنها لم تدافع عنك عند إيقافك عن الكتابة أكثر من مرة؟
- نعم أقولها وبكل صراحة.. إن هيئة الصحافيين لم تقم، ولن تقوم، بأعمالها وواجباتها ليس معي فقط بل مع الكثير، أقربها طرد الأستاذ قينان الغامدي من منصب رئيس تحرير جريدة الشرق، وأنا وقعت لي أزمات عديدة لم يساعدوني في أي عملية توقيف أو منع من الكتابة.
* وصفت هيئة الصحفيين بـ "حظيرة" الصحافيين.. إلى أي مدى تعتقد أن هذا الوصف يليق بها؟
- وقع هذا بالفعل، ولكن فهم عبر التسرع واللقافة. فأنا لا أقبل أن أعيش في حظيرة، اجتمعت الجمعية العمومية لهيئة الصحافيين من أجل تغير الاسم ووقعت الخلافات كعادتنا فقلت لهم سموها حظيرة الصحافيين. لنكون مثل القطيع نقاد. فتسرع أحد المشهورين باللقافة وهو الأخ (خ. س) وأخذ الميكروفون بعد مداخلتي وهو من كذابي الزفة المعروفين وعمل فيها ذكر بط، ووقف خطيباً فينا وظن نفسه الخطيب العربي الشهير سحبان بن وائل، وانفعل وأزبد، وذلك بنفس طريقة الزعيم العربي الراحل معمر القذافي -رحمه الله- في مؤتمرات القمة العربية، ولم أفهم ما يريد. وغفل (خ. س) هذا الذي لا يفهم شيئاً في الصحافة غير الزج بنفسه إن كلمة حظيرة ليست عيباً، فالصواريخ النووية والطائرات لها حظائر غير حظائر الغنم التي يعرفها. والتي ألف وتعود على السكن والعيش فيها.
* هل فعلاً صحفيو مكة المكرمة مضطهدون؟ وممن إن كانوا كذلك؟
- صحفيو مكة المكرمة نعم مضطهدون، ومساكين، وأصبح كثيرهم مشرداً، فبعد قفل جريدة الندوة بالسلاسل والأغلال شرد من بها من الصحافيين في الشوارع، وجلسوا على الأرصفة يكتبون عرائض للمواطنين أمام المقار، والأجهزة الحكومية.
* من هم "كذابو الزفة" في الصحافة السعودية؟
- أنا أملك حصافة قانونية، ولولا الخوف من الشكوى ضدي في المحاكم الشرعية، لقلت لك أسماء كذابي الزفة بالترتيب الأبجدي. وأعدادهم كثيرة جداً ربما أحتاج إلى عشرة دفاتر أبو (80) صفحة. كذابيو الزفة في الصحافة السعودية هم قبائل متناحرة وأقوام لا يخافون الله لا في السر ولا في العلن، يكذبون على الوطن والمواطن. وهم يذكرونني بذلك الشاعر المثقف الذي حمل نعشه 40 سنة، ولم يجد من يكفنه، وهو الكميت الشاعر المعروف، وهو شاعر موهوب، ولكن التاريخ للأسف حتى الآن يذكر شاعراً موهوباً آخر مدح أحد طواغيت العراق بأبيات من الشعر تفوق قبحاً وبذاءة ونفاقاً وكفراً وهو الشاعر ابن هاني الأندلسي الذي أنشد:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار ×× واحكم فأنت الواحد القهار
كذابو الزفة هم الفئة الضالة في صحافتنا أولئك الذين يدخلون مناسبة الزواج مع أهل العريس، وعند الانتهاء من المناسبة يخرجون مع أهل العروسة، تباً لهم ولأعمالهم.
* كتبت مقالاً تنتقد فيه الأمير خالد بن طلال على أثر مداخلة فضائية ساخنة له، ووصفتها بأنها "تحريض ضد منجزات الدولة"، وطالبته بالتخلي عن مميزاته إن كان صادقاً في بحثه عن الآخرة بدلاً من التنظير.. ألهذه الدرجة أنت "ساخن" في خلافاتك الفكرية؟
- لم يفهم الأمير خالد بن طلال أن المجتمع المدني السعودي مفرغ تماماً من الوجهة الثقافية والفكرية. ومن حيث الأصول والمرتكزات الواقعية للانفتاح على العالم، ولم يدرك الأمير خالد بن طلال أن أيام الجاهلية التي كنا نعيشها مضت، واليوم نعيش أيام التنوير ولم تكن الحالة مجرد تبديل اسم بآخر، بل يحتاج الأمر إلى قرارات تاريخية مثل إدخال المرأة للعمل السياسي، وعمل المهرجانات والمؤتمرات الثقافية مثل معرض الكتاب وغيره، فلو نظر خالد بن طلال إلى المبادئ التي كانت أيام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نجد أن الدولة ليست مجرد تراب، وقطعة أرض وليست بشراً. تسير على الأرض بدون عمل أوعي أو زمن نقضيه في الحكي و "اللغوصات". فقام وهاجم منجزات الدولة التي - نظن- أنها سوف تنقلنا للعالم الأول، فهاجم دخول المرأة في مجلس الشورى، وهاجم معرض الكتاب وغيره فتصديت له بالرد، والتوضيح المبين ليس إلا.
* حسناً.. هناك من ينتقد وجود النساء في مجلس الشورى، وأنهن مجرد ديكور جميل لن يضيف شيئاً للمجتمع.. ما تعليقك؟
- هذا تفكير يعبر عن الغباء السياسي و "البله" التديني.
* في بعض المناسبات والمهرجانات الوطنية يظهر طلاب علم للاحتساب.. كيف ترى مثل هذا التوجه؟
- إن الإشراف على إدارة الأمور، ومحاسبة القائمين بإدارة الأمور هي من مهام وواجبات الحكومة وليس الأفراد. والحكومة يفترض أن تكون خادمة للشعب، لا سيدته، ومسؤولة أمام الشعب الذين جعلهم الله جلت قدرته أصحاب كرامة وعزة. وليس من حق أي مواطن باسم الاحتساب أن يقوم بعمل الدولة.
* يكثر الحديث حول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلباً أو إيجاباً.. كيف ترى التطورات التي قام بها رئيسها في الفترة الأخيرة؟
- لا بد أن نستفيد من التجارب الجديدة التي حصلت عليها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والهدف من هذه التطورات هو أن نعلن للشعب وللعالم أنه لا يوجد هناك تعارض بين الدين والحرية.
* من الذي تقول له: "يا رجل أفق وتنبه إنك في سبات عميق"؟
- أقول لكل مستبد من حكام الأمة العربية: تذكر مشهد إعدام صدام حسين -رحمه الله - وهو معلق على أعواد المشنقة، وتذكر الزعيم معمر القذافي وهو مختبئ داخل شبكة المجاري ثم قتل شر قتله، وتذكر منظر الرئيس محمد حسني مبارك وهو نائم على السرير وداخل قفص السجن، وتذكر كيف تشوه منظر وشكل الرئيس اليمني على عبد الله صالح، وتذكر لحظة هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.
* يكتبون كثيراً عن الفقر والفقراء، والمساكين والمحتاجين والمرضى الذين لا يجدون العلاج المسكن.. في حين أنهم يسكنون في قصور فارهة ويتمتعون بملذات الحياة.. ماذا تقول لهؤلاء الكتاب، والدعاة؟
-هؤلاء الذين ذكرهم الله في القرآن المجيد، أنهم يقولون ما لا يفعلون.. يستغلون الدين فأصبحوا من الأغنياء بل من الأثرياء، وقريباً تسمع أنهم امتلكوا طائرات خاصة. وامتلكوا محطات فضائية.
* لماذا ما تزال مناهجنا الدراسية تركز على دور المرأة نحو الرجل ولا تذكر العكس؟
- لأننا نخاف من المرأة وهي راقدة داخل صندوق قبرها. ولكن عندما نخلو بالمرأة في غرف النوم نقبل أقدامها.
* متى تكون شفافاً ومكشوفاً بلا أقنعة في مناقشاتك ومداخلاتك؟
- لا أحد يعرف حقيقة ما أنا عليه من امتلاك للصراحة، والجرأة، والشجاعة والشفافية، والقدرة على المواجهة وقلت لكثير وكثير من الفاعلين "كفاكم تضليلا للشعب والتجارة به". وأتوخى الموضوعية بقدر كبير، وأملك قدرة الفضح، والكشف، والإعلان عن الفساد والمستور والانتهاكات. ولكن لا أحب التعامل مع كلمة الخيانة أو التخوين.
* ما أهم ما ندمت عليه؟
- أشياء، وأشياء كثيرة ندمت عليها في حياتي وتم حذفها وإلغاؤها من حياتي، لعل أهمها أن الموهبة التي منحني إياه الله الجبار المتكبر وهي التفكير والكتابة التي قادتني لمشروع الإصلاح والتنوير، ويا ليتني لم أمنح هذه الموهبة، وهذه القدرة، وهذه الطاقة، وهذا التفكير، وذلك العناد، والذكاء والفطنة. وكنت من جملة الأغبياء والمعوقين في هذا الوطن. فالتغابي وجدته نعمة بل هو أفضل طريقة للعيش في هذا الوطن.
* ما أبرز "خسائرك"؟
- خسرت، وخسرت، وخسرت، أهلي، وبني قومي، وأصحابي، وزملائي، والدولة، والأمراء والوزراء وكل المسؤولين، بسبب الحق لم يبق لي صديق إلا الحق. كما قال سيدنا علي بن أبي طالب ربي الله عنه، ولكن كسبت إن شاء الله رضاء ربي الله الذي خلقني هكذا، وكتب علي هذه المقادير في اللوح المحفوظ. ولم أعول على أحد.
* ماذا تقول لكاتب مناطقي وإقليمي؟
- اتق الله في نفسك ودينك، ووطنك، وأهلك.
* ما الخطوط الحمراء لديك؟
- الخطوط الحمراء تختلف مساحتها من موقع لآخر، ولا أخاف من أي خط أحمر. ولكن لا أقبل على نفسي الاقتراب من الذات الإلهية والذات النبوية الشريفة، هذه هي الخطوط المحترمة، التي لا أستطيع القرب أو الاقتراب منها.
* ما الشيء الذي حرصت على تعلمه أكثر من غيره؟
- الصبر، والجلد، والصلابة. والعناد في التمسك بالمبادئ.
* في أي المواقف ترفع الراية البيضاء ملوحاً بالانسحاب؟
- في مواقف بعينها رفعت الراية البيضاء وأعلنت هزيمتي بكل شجاعة وصراحة وجرأة وأعلنتها في الصحافة مثل هزيمتي في انتخابات نادي مكة الثقافي الأدبي، فالانسحاب ليس عيباً ولا عاراً إنما هو تقدير موقف.
* في مواجهة الناس.. ما قناعاتك؟ وما رصيدك أمامهم؟
- أثناء المواجهة أقف أمام ضميري ومبادئي وقيمي وديني ووطني ومهنتي. وأقول عبرها قناعاتي المختلفة معتمداً على الصدق والصراحة والجرأة والشجاعة أرجو أن يكون لي رصيد من الحب النقي عند الناس.