المتبطرون..!
عبدالعزيز بن ذياب - الرياض
1 1 1,580
هم مَن أرادوا بزواجهم على شريكات حياتهم تطبيق السُّنة فأساؤوا الصنعة، فلو أنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه لكان خيرًا لهم. فبعضٌ من أشباه الرجال أرادوا بزوجاتهم كيدًا وقهرًا بزواجهم عليهن سرًّا، فكانوا هم الأخسرين جزاء وفاقًا؛ فالديان لا يموت.
بظني إن الكثير من الارتباطات السرية الحاصلة هذه الأيام بين الأزواج والزوجات بعيدة عن أصولها الشرعية وقواعدها المرعية والعرف السائد بالمجتمع، بل بعضها على غير هدى من الله، فكانت النتائج أن أصمهم الله وأعمى أبصارهم؛ فأنجبوا بنين وبنات لا يحمل بعضهم وثائق رسمية وأوراقًا ثبوتية أو وسائل تعريفية بهم؛ فيرون أبويهم رأي العين، لكنهم لا يجدون أثرهم على الواقع، خاصة لو غاب أحدهما أو كلاهما عن المشهد، فهنا لن تكتمل المشاهد الأخرى؛ فتصبح حياتهم حصيدًا كأن لم تغنَ بالأمس.
وهذا -للأسف- جزاء مَن ضيّع نفسه ومَن يعول لرغباته المجنونة، وفحولته المزعومة؛ لتصبح بعد ذلك حياته وحياة من معه هشيمًا تذروه رياح التشتت والضياع والتشرد، ويصبح الأبناء أشجارًا بلا ورق ولا ثمر، بل عبئًا على المجتمع، بل هناك زواجات وارتباطات بعقود غير موثقة من الجهات الرسمية، ولا يعلم بها غير عدد محدود من معارف طرفَي العقد، وغالبية هذا النوع يكون بدون ولي له حق ولاية تزويج المرأة، أو يكون الولي غير مباشر، بمعنى أنه ليس له حق تزويج المرأة، أو ليس مخولاً من وليها بوكالة شرعية بحسب ترتيب الولاية التي نص عليها جمهور الفقهاء (ويمكن للقارئ الكريم الرجوع لها بكتب الفقه) فتكون النتيجة مستقبلاً إما تصحيح العقد بالطرق الشرعية المعتادة في مثل هذه الأمور بعد أخذ ورد بالمحاكم الموقرة، ومن ثم الحكم بصحة هذا العقد، أو فسخه وإبطاله أحيانًا كثيرة؛ وهو ما ينتج من ذلك مشاكل بالمستقبل لا حصر لها، خاصة مع وجود الأبناء.
هذه العلاقة (شبه السرية) ربما تمت إما بقصد انتقام أحد الزوجين من الآخر بعد الطلاق، ومن ثم النيل منه وكسره، والكيد به وقهره للوصول لنشوة الانتصار المزعومة على الطرف الآخر، أو إخفاء المرأة زواجها عن طليقها لكي تحتفظ بحضانة أبنائها، أو بقصد التسلية والأخذ بالرخص الفقهية.
وقد يخفى على الكثيرين مدى أهمية التقيد بأقوال ما اتفق عليه جمهور الفقهاء بمثل هذه المسائل المهمة؛ كونها تتعلق بالأعراض والارتباط الشرعي، وبناء الأسرة، ومن ثم توثيق العلاقة شرعًا عبر الجهات المختصة كما ذكرنا سابقًا، فهذا العقد المهم بحياتنا ليس ككل العقود، ولا يجب التهاون به؛ لأنه يترتب على الزوجين إثباته بالمحاكم بالطرق النظامية المعمول بها داخل البلاد. وكذلك أمور تتعلق بالميراث، وإخراج وثائق رسمية للأولاد إلخ...، وليست مجرد نزوة وينتهي كل شيء، وسوط يضرب به بعض أشباه الرجال زوجاتهم حينما تنتفخ أوداجهم قليلاً بالصحة والمال والمنصب.
مثل هؤلاء -بظني- أرادوا لأنفسهم نفعًا وسترًا فوقعوا فيما لا تُحمد عقباه؛ لأنهم قليلو الحيلة، لا يستطيعون المواجهة، فيتسلحون بالسلاح الأبيض الوحيد الذي يملكونه، وهو زواجهم سرًّا على زوجاتهم ظنًّا منهم أنهم فازوا بالمبارزة والتحديات، وحققوا النصر المبين على أم أولادهم. وما عرف هؤلاء الهاربون من واقعهم أنهم حفروا لأنفسهم حفرة ربما تكون مقبرتهم بيوم من الأيام.
وأنا هنا أيها الكرام أكتب فقط عن هذه النوعية من الزيجات التي تهدم أكثر مما تبني، أما الزيجات القائمة على أصولها فهذا ليس موضوعي؛ لأنه يخص حياة الرجال المعددين، وطبيعة ظروفهم في بيوتهم، فهم أدرى بها دون غيرهم.
وكما لا يخفى على الجميع، فإن زواج الزوج على زوجته من وراء حجاب هدفه معروف، وهو قضاء الشهوة، ومن ثم تنتهي هذه العلاقة شبه الحيوانية، ويُرمى بعقدها المقدس بأقرب برميل زبالة، وذلك بمجرد الانتهاء من الغرض الذي قامت من أجله،
بل إن بعضًا من أشباه الرجال يريد فقط التباهي أمام الآخرين بإثبات فحولته ورجولته المزعومة، وحتى يشار إليه بأنه عنتر بن شداد في زمانه، وإلا فهو في الواقع لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا.
السادة والسيدات:
من رزقه الله زوجة نقية تقية، تخاف الله وتخشاه وترجوه، وتطلب رضاه، أديبة أريبة، جميلة المخبر قبل المنظر، وإن جمعت بين الحسنيَين فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فليتقِ الله ربه، ولا يبخس منه شيئًا، ولا يكسرها بكبرها وضعفها؛ فيكسره الله، ولا يظلمها بماله وقوته؛ فيعطبه رب العزة والجلال، ويأخذه من حيث لا يحتسب.
إخواني معاشر الرجال، وفقكم الله لما يحب ويرضى، أوصيكم ونفسي الضعيفة والمقصرة بأنه إن مكّن الله أحدكم في الأرض بمال أو جاه أو منصب بألا يجعل أولى زكاته بزواجه على زوجته المصون!! وكأنه يقول لها شكر الله لك يا أم... خدماتكم الموقرة، وإذ نهيب بجميل لطفكم وكريم أخلاقكم معنا طيلة هذه السنوات، وما بذلتموه من حب وإخلاص وتفانٍ في خدمتي حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، ولكل ما ذكر أعلاه، فهذا خطابي لك بإحالتك للتقاعد المبكر نظرًا (لتقدمكم بالسن)، وعدم رضانا عنك بعد وصولنا لهذه المراحل المتقدمة من النجاح والتفوق والتقدم والتطور؛ وعليه فإنني أحتاج بهذه المرحلة لقيادات شابة، تكون أهلاً لتحمُّل المسؤولية بالمراحل الجديدة بعد أن قضيت معكم السنين العجاف، وكنا ننتظر فيها فقط هذه اللحظة التاريخية من حياتنا لإبلاغكم بإحالتكم لأحد أركان هذا البيت؛ لنعطي باقي أركانه لأحد الكوادر الشابة التي أعلم علم اليقين أنها ليس لها سابق خبرة لتقوده لبر الأمان، ولم تتعب عليه، ولم تبذل فيه الجهد اللازم، ولم تنفق فيه ريالاً ولا درهمًا من حديد، بل إنها تعد العدة لإسقاطه بالهاوية بعد أن كان صرحًا شامخًا وجميلاً. من أجل ذلك كله أشكر لك زوجتي التقية النقية (يا أم أولادي) جميل عفوك وغفرانك لي طيلة سنوات عمري معك، يا من وقفتِ بجانبي يوم ضعفي وكسري وقلة حيلتي، وكنتِ لباسي وردائي، تسترينني عند حاجتي، وترفعين من معنوياتي بأيامي العجاف عندما كانت الدنيا بأنيابها في وجهي تكشر، فهذا جزاء صبرك ومعروفك الذي تستحقينه مني بيوم ضعفك ويوم إقامتك بعد أن منّ الله عليَّ ووقاني عذاب السنين والعوز والحاجة. هذا وتقبلي تحيات زوجك الخائب والناكر للجميل.
فخافوا ربكم معاشر الرجال في نسائكم وما ائتُمنتم عليه، وخافوا الله معاشر النساء وما وصاكن الله به من حسن التعامل والتبعل لأزواجكن وأبي عيالكن قبل أن تفقدنهم. وتذكَّرن قول أبي الدرداء لأم الدرداء: "احملي عني وأحمل عنك"، وربنا في كتابه الكريم يقول {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}.