●• خزآمىَ الصَحآرى « للشعْر والخَوآطرْ !

بعض الطبايع في أهلها غريزه
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،خص اللي فيهم زود رزه وبزه

أثر التصنع له مراحل وجيزه
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وأثر التطبع له مع الطبع حزه

لا صار ما للرجل نفس عزيزه
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الموت له عن ذلة النفس.. عزه

يسألني العالم عن إنسان غايـب . .
وعجزت من حزني عليه .. آتـكلم . .!

إن كان باقي لي دعاء وطلايب . .
فالله .. يعيد شفاهي اللي تـبسٌم . .!



مريت بدروب ٍ قديمة .. عجايب . .
حتى المكان اللي تركته .. تألٌم . .!

+

ترى الليالي مقفيات ومراويح
ومن يامن الدنيا ياكثر ما فاته

المال ماطول عمار الطحاطيح
والفقر ماقصر من العمر ساعاته

يعيش في عيني من الناس ميت
..............ويموت في عيني من الناس عايش...!

الأمير محمد الأحمد السديري.. حياته وأعماله.. دراسة علمية بحثية تقف على أهم فصول حياته ومآثرها

فارس من طراز فريد.. وشاعر تغنى بالوطن وشرب حبه حتى الموت


في مجلسه بالخفيات عام 1975م
بريدة ، قراءة- منصور الجفن , تصوير - بدر الفريدي
مآثر الرجال وأفعالهم وخصالهم ومواقفهم الحميدة تمثل تاجاً ونبراساً متوهجاً على هاماتهم ترقبه كل عين وتحفظه الذاكرة باعتزاز ومباهاة، ليظل شاهداً على العطاء والوفاء ونكران الذات، وليبقى مثلاً تُضرب فيه الأمثال على مر الزمان، فما أعظم هذا العطاء وما أعظم هذا الوفاء حينما يكون منبعه هدي الإسلام ومكارم الأخلاق، وصفات اتصف بها صناديد الرجال.
وفي مشهدنا المعاصر تبرز شخصية الأمير محمد الأحمد السديري كأحد هذه النماذج التي استجمعت في كثير من ثنايا حياتها الكثير من مواقف الرجال الأوفياء لقادتهم ولأوطانهم ولمجتمعهم بما يمثل صورة من سلوك شخصية الفارس العربي العروبي المؤمن بربه الذي سطر في معظم أيام حياته الكثير من مواقف الرجولة والوفاء والفخر.
هذه الصورة الجمالية بكافة ملامحها وأبعادها يبدو أنها استحثت همة الباحث في قسم التاريخ بجامعة القصيم «أحمد بن عبدالله العُرف» ليقدم لنا عبر رسالته العلمية لنيل شهادة الماجستير ما يمثل قراءة منهجية واقعية عن شخصية هذا الرجل، مؤكداً في مقدمة هذه الرسالة العلمية أن مما دفعه لاختيار هذا الموضوع هو الكشف عن سيرة هذه الشخصية العَلم ومكانته في تاريخ المملكة، واحتياج مكتباتنا لدراسة مثل هذه الشخصيات الوطنية التي يمكن أن تضيف شيئاً جديداً عما يرتبط بحياة مؤسس هذا الكيان، وتاريخ المملكة، إضافة إلى أن وجود عدد من الوثائق تعطي البحث أهميته، كما أشار الباحث إلى أن من الأسباب التي دعت إلى اختيار هذا الموضوع أن شخصية الأمير محمد الأحمد السديري تعتبر من الموضوعات التي لا يمكن تجاهلها أو إهمالها، فقد كان له دور كبير في كثير من المجالات السياسية والحضارية والثقافية والاجتماعية، لذا فتاريخه جزءٌ من تاريخ المجتمع السعودي، كما أن سيرته لم تنل حقها من البحث والدراسة بشكل كاف.
مضمون الدراسة
لقد تناولت الدراسة صوراً مشرقة من حياة الأمير محمد الأحمد السديري تضمنت نشأته وشخصيته المرموقة ومالها من مكانة بارزة ومؤثرة، وما تميزت به من مواهب متنوعة في القيادة والإدارة والسياسة ومواجهة المواقف الصعبة التي جعلت منه أحد رجال الدولة المخلصين الذين اعتمد عليهم الملك المؤسس وثلاثة من أبنائه الذين تولوا مقاليد الحكم بعد وفاته حيث تسلم في عهدهم كثيراً من المناصب القيادية التي أثبت فيها براعته وحنكته الإدارية والسياسية والتي تزامنت مع مرحلة مهمة من مراحل تكوين تاريخ المملكة.




محمد الأحمد السديري شجاع في المواجهات.. وسياسي محنك في القضايا الشائكة


كما تناولت الرسالة الحديث عن أعلام من نساء أسرة السديري وهُن: زوجة الإمام عبدالرحمن الفيصل ووالدة الملك عبدالعزيز الأميرة سارة بنت أحمد السديري الأول، وزوجات الملك عبدالعزيز الأميرة حصة بنت أحمد السديري، والأميرة الجوهرة بنت سعد السديري، والأميرة هيا بنت سعد السديري -رحمهن الله-، كما تضمن أيضاً تعريفاً بشكلٍ موجزٍ عن أعلام الرجال من هذه الأسرة الذين تولوا مناصب في عهد الملك عبدالعزيز-رحمه الله-، ومن ثم الحديث عن والد شخصية هذا البحث، الأمير أحمد بن محمد السديري، وأبنائه الأمير تركي، والأمير عبدالعزيز، والأمير خالد، والأمير عبدالرحمن، والأمير مساعد، والأمير سليمان، والأمير بندر -رحمهم الله-.
هذا وقد ناقش هذه الرسالة التي جاءت بعنوان: «الأمير محمد الأحمد السديري حياته وأعماله 1335/1399ه» كل من: أ. د أحمد بن عبدالعزيز البسام (مشرفاً ومقرراً)، أ. د عبداللطيف بن محمد الحميد (مناقشاً خارجياً)، أ. د عبدالرحمن بن علي السديس (مناقشاً داخلياً).
كما شهدت وقائع مناقشة الرسالة حضور بعض من أبناء وأقارب الأمير محمد السديري في مقدمتهم الشيخ يزيد بن محمد الأحمد السديري، والشيخ أحمد بن بندر السديري وبحضور مدير جامعة القصيم أ. د. خالد الحمودي وعمداء بعض كليات الجامعة وأصدقاء ومعاصري الأمير محمد السديري – رحمه الله - ومحبيه وبعض المعجبين بشخصيته الوطنية.
هذا وقد اجتاز الباحث أحمد العرف الرسالة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى وقد أكد مناقشو هذه الرسالة بأن هذا العمل يمثل عملاً موسوعيا متميزا، حيث جاءت الرسالة في أربعة فصول وبلغت أكثر من ست مئة صفحة في مجلدين، فيما بلغت مصادرها ومراجعها أكثر من خمس مئة مصدر ومرجع متفرقة بين كتب ووثائق ومخطوطات منشورة وغير منشورة، ومراجع عربية ومعربة وصحف ومجلات ومقابلات شخصية وصوتيات.
كما أن هذه الرسالة تعتبر الأولى في الجامعات السعودية التي تبحث في سيرة شخصية وطنية مرموقة ومؤثرة من أسرة السديري. ولعلها تكون نواة لدراسة شخصيات أخرى من هذه الأسرة الكريمة، التي أسهم عدد من أفرادها في تاريخ المملكة، حيث اقترح المناقشون للرسالة على الباحث أحمد بن عبدالله العرف أن تكون رسالته لمرحلة الدكتوراه عن شخصية الأمير أحمد السديري الأول، لتخصص الباحث، وتراكم المعلومات لديه عن هذه الأسرة الكريمة بشكل موسع وموثق.
فيما ختم الباحث رسالته العلمية بعدد من التوصيات منها دعوة طلاب الدراسات العليا في أقسام الأدب بكليات اللغة العربية للقيام بدراسات أدبية عن شعر الأمير محمد الأحمد السديري ومؤلفاته.
نشأته
أشارت الدراسة إلى نشأة الأمير محمد الأحمد السديري، حيث ترعرع في بيت التقت فيه الرئاسة والفضل والسيادة بالعلم، فأبوه وجده من الأمراء، وأحد أجدادهِ من الذين ناصروا الشيخ محمد بن عبدالوهاب في دعوته، فأخذت هذه الشخصية من هذا وذاك، وتأثر بذلك، حتى أصبح من المميزين في عشيرته، حيث لازم والده الذي كان مقصداً لشيوخ القبائل والوجهاء والفرسان والشعراء وغيرهم من الذين يرتادون مجلسه بشكل مستمر، وحضر الطفل والفتى محمد السديري هذه المجالس ووعى كثيراً مما يدور فيها، وقد أسهمت هذه النشأة في نبوغه مبكراً، حتى إذا بلغ مبلغ الرجال تقلب في العديد من المناصب والإمارات في شمال المملكة وجنوبها متنقلاً بين بعض مدنها، فأثبت جدارةً وتفوقاً وتجاربَ وحكماً اكتسبها من خلال احتكاكه وممارساته لمسؤولياته.
شخصيته وصفاته
تناول الباحث في دراسته ملامح من صفات الأمير محمد الأحمد السديري، وتفرع منها عدة عناوين، تناولت صلته لرحمه، وتواضعه، وكرمه، وحلمه وصبره، وأخذه بمبدأ الشورى، وتسلية مجالسه ورحابة صدره، وشجاعته، وحكمته ورجاحة عقله، وحبه للصيد، وأمانته ونزاهة يده، وعنايته بملبسه ومظهره، وحبه لوطنه من خلال حديثه عن وطنه، وأعماله في وطنه، وحنينه له، ومن ثم الحديث عن علاقاته مع الأسرة المالكة، ومع ملوك وزعماء العرب وكبار الشخصيات، ومع العلماء، ومع أصدقائه، ومن ثم الحديث عن وفائه لأصدقائه، ومواقفه مع أفراد مجتمعه وتحسس احتياجاتهم، ومحبة أفراد مجتمعه له، وحسن إدارته، وشُهرته.
تولي المهام
أشار الباحث إلى أن الأمير محمد الأحمد السديري اضطلع بمسؤوليات جسام وذلك بحكم التنشئة الصالحة والسمات القيادية والإدارية بكل فعالية واقتدار حيث تولى إمارة الجوف بعد أخيه الأمير عبدالعزيز بن أحمد السديري لمدة سبع سنوات من عام 1357ه حتى 1364ه، فأثبت كفاءة نادرة في توثيق عرى الإخاء بين القبائل وتوطيد علاقتهم بالدولة، بعد ذلك صدر الأمر الملكي بنقله إلى إمارة جازان عام 1362ه حتى 1368ه، والتي أنجز فيها عدداً من الأعمال، بعد ذلك اختير لقيادة قوات المجاهدين من أجل فلسطين من عام 1368ه حتى 1369ه.
بعد ذلك صدر الأمر الملكي باختياره أميراً لمحافظة خط الأنابيب (التابلاين) بالحدود الشمالية من عام 1369ه حتى 1376ه عمل فيها على حفر الآبار الارتوازية وتوزيعها على مناطق متفرقة، وأسهم في إنشاء شركة للكهرباء وغيرها من الأعمال وبعد أن انتهت مهمته في عام 1376ه تفرغ لأعماله الخاصة وشؤون عائلته وأولاده لمدة (6) سنوات تقريباً، بعد ذلك صدر الأمر الملكي باختياره مشرفاً على الحدود الجنوبية بمنطقة جازان عام 1382ه حتى 1389ه على أثر الأحداث في اليمن، ولسابق معرفته لهذه المنطقة وعلاقته مع القبائل اليمنية أخذ يتعامل مع الأحداث بكل سياسة ومرونة وحافظ على أمن المنطقة وقام بالعديد من الأعمال فيها.
وبعد انتهاء عمله الرسمي تفرغ للكتابة والتأليف وشرع في الاهتمام بالزراعة والبيئة والحياة الفطرية.
شاعرية الأمير محمد
لقد تناولت الدراسة جوانب مهمة في حياة الأمير محمد الأحمد السديري فلقد كان الشعر هو من العلامات الفارقة التي أضْفتْ وأثْرتْ الساحة الأدبية والشعرية بإنتاجه الغزير والمتميز، واستأثر بالنصيب الأكبر من الحيز الذي يشغله الشعراء في الساحة المحلية والخليجية.
وقد عرف عنه دقته في اختيار مفردات القصيدة، وقوة المعنى، حيث استطاع أن يسجل أروع النصوص الشعرية التي لازالت حتى الآن متداولة بين كثير من المتلقين للشعر، إذ لم يكن شعره معسوفاً أو مصنوعاً أو متكلفاً، بل إن له فيه مساراً ومنهجاً خاصاً ميزه عن غيره من الشعراء، تجد في شعره الجزالة والترفع عن سفاف الأمور، وطرق أبواب وبحور الشعر بأكمله، وتنوعت منابعه وتعددت بحوره وقصائده، فلم تكن مقتصرة على غرض واحد فهو إن مَدحَ أجاد، وإن تغزل تعفف، وإن خاطب أحداً كان الحلم نصب عينيه، في وصفه دقةٌ وجمال تشبيه متأثراً بشعراء العرب الأوائل في نسيبهم وتشبيههم، وإن رثا تجد أصدق تعبير تملوُه الحرقة والحزن على الفراق والدعوات الصادقة، لذا جاءت قصائده لوحات فنية وتجسيداً صادقاً ومعبراً حتى أصبح بعضها أمثلة شعرية، يتناقلها الناس ويعول عليها ويستشهد بها كل من تعرض لمواقف مشابهة.
ويكفيه فخراً أنه أولُ شاعرٍ شعبي بالجزيرة العربية كلها تورد أبيات من شعره في مؤتمر الأدباء العرب الذي انعقد في بغداد في التسعينيات الهجرية/السبعينيات الميلادية، بالرغم أن المؤتمر يختص بالشعر الفصيح.
ولقد تحدث الباحث في هذا الفصل عن شعره واتجاهاته وموضوعاته وعن شاعرية الأمير محمد، وأسباب حبه للشعر، ومميزات شعره، وعوامل انتشار قصائده وشيوعها بين الناس، ومن ثم بيّن مكانة الأمير محمد في الشعر والأدب في المملكة والخليج، وإيراد نماذج من كلمات شخصيات تحدثوا عنه في هذا المجال، ومن ثم موضوعات شعره. مثل الاتجاه الوطني وفيه مدح رجالات الوطن والافتخار بهم ودوافع المدح عن الأمير محمد، والتغني بأرض الوطن.
وحول الاتجاه الذاتي وفيه الغزل والعزة والقوة والفخر والشكوى.
أورد الباحث قصائد في الاتجاه الوطني للأمير محمد السديري عن أسرة آل سعود منها ماجاء شاملاً لهم مثل قوله:
وربعي مسجلة الفخر يوم الكدر
روس الملوك الطايله تحنى لها
ربعي على سلم الصحابه سلمهم
والمي من عقب الكدر يصفالها
ربعي ليا حل الخطر باديارهم
هم عزها وان حل فيها اخلالها
ربعي مقابيس الوغا يوم اللقا
شيب الاسود معقّبين اشبالها
هم سترها هم نورها هم برّها
هم فضلها هم غيثها همالها
وقوله أيضاً:
ربعي هل العوجا تلافح شهرها
ياما وقع بنحورهم كل ممرور
وقوله:
عيال أخو نورة تراهم فخرها
هم عزها وان ناشها كل ممرور
ومنها ما جاء خاصاً مثل قوله بالملك عبدالعزيز:
عبدالعزيز أبا الفضايل كلّها
ان جيدلت بالحرب حل جدالها
زاكي النبا رب الندا جزل العطا
هو مغلق الهيجا وهو حلاّلها
السيف يشهد له بجز ارقابها
والخيل من حسّه يزيد اجفالها
كما تغنى بأرض الوطن مثل قوله في نجد:
ان كان بي عذروب حبي لهل نجد
أحبها وأحب شّمة هواها
وقوله أيضاً:
إلى هب الهوى يزداد وجدي
على شانه يجي من يم نجدي
أما ما قاله في الغزل فهو كثير كقوله على سبيل المثال:
في منامي زارني طيف الحبيب
قلت يامرحبا وش هالبطا
وقوله أيضاً:
اللي هتف بسماه قلبي وناداه
حتى الضلوع بوجدها صفقت له
اللي غرامه تل قلبي من أقصاه
وبالدمع عيني خيلت وأمطرت له
أموت من فرقاه وأحيا بذكراه
والروح خلت جسمها وانتحت له
وإلى غير ذلك الكثير والكثير من شعر الحكمة والوصايا في جميع اتجاهاته.
أعماله الخيرية والإنسانية
أورد الباحث في دراسته لنيل درجة الماجستير جوانب متعددة من أعمال الأمير محمد الأحمد السديري الخيرية والواقع أنه–رحمه الله- كان محط آمال لذوي الحاجات التي تعددت وتنوعت وجوهها، فمن الثابت أنه أعتق رقاب العشرات، وكفل الأيتام، وقضى حوائج العديد ممن تقطعت بهم السبل إما في سداد دين، أو شراء مسكن لفقير، أو نشرٍ للعلم وهو القائل:
يا زين فعل الخير سوه بدنياك
وافطن لداعي السوْ لا يستميلك
ولم يقتصر الأمر على سد الحاجات المالية للناس والسعي لهم بالخير لدى الجهات المختصة، بل لقد بلغ اهتمامه-رحمه الله- بقضايا الناس والعمل على حلها والسعي بماله وجهده وجاهه لنفع الناس بما هو جائز شرعاً، لقد نجح الأمير محمد في حل قضايا عدد من المحكومين بالقتل قصاصاً وذلك بعد أن عرف ظروف ودوافع الغضب المقيتة التي دفعتهم لارتكاب جرائم قتل خصومهم، كما سعى لدى أولياء القتلى حتى تحقق له الحصول على تنازل ورثتهم عن القصاص.
والواقع أن (أبو زيد)-رحمه الله- لم يبخل بذلك أبداً، سواء إذا كان مملوكاً، أو محكوماً عليه بحد القصاص فيقوم –رحمه الله- ساعياً بكل جهده وماله وجاهه، ليتم العفو عن المتهم، وذلك حقناً للدماء والتيسير على أولياء القاتل، خصوصاً إذا كان يستحق ذلك من خلال توبته وتحسن سلوكه، بعد أن ذاق مرارة السجن لفترة قد تطول.
وبالإضافة إلى أعمال وجهود الأمير محمد في السعي في عتق الرقاب، يورد الباحث قصة مؤثرة لامرأة قدمت له وهو في الخفيات «مزرعته بالقصيم» شمال بريدة بينما كان أبو زيد ينتظر وصول ضيوف مهمين له على العشاء وفجأة تقتحم المكان امرأة لا يعرفها.. انكشف غطاؤها عدا «شيلة» تظهر من بعض شقوقها بضع خصلات شعرها الأشيب، تدفع بجسدها حبواً وهي تبكي «تكفى يا بو زيد».. يرمي عليها بشته.. ويحاول أن يلتقط لها حاجتها بين شهيق اليأس والرجاء فقال لها: «وش تبين مني يا مره؟».
يبلغه أحد لخويا أنها «أم فلان» الذي سينفذ به حكم القصاص يوم غد الجمعة بعد أن فشلت كل وساطات الشفاعة، وإغراءات المال من شخصيات وتجار وشيوخ قبائل لإقناع أصحاب الدم بالتنازل، ولم يكن هناك وقت للانتظار، وإذ بالأمير محمد السديري يومئ لسائقه الخاص ويلتفت إلى أبنائه قائلاً لهم: عشوا ضيوفكم ولا» تّحروني»، وانطلق عبر الطريق الصحراوي يسابق «حد سيف القصاص» فوصل بريدة متأخراً، ثم أجرى مكالمة هاتفية بالملك فيصل - يرحمهما الله - يطلبه تأجيل حكم القصاص، ثم يواصل طريقه للمهمة الأكثر صعوبة بحثاً عن صاحب الدم الذي لم تجد معه كل جهود الشفاعة، فوصل إلى مكانه في اليوم التالي واختفى مع سائقه قرب مورد ماء في الصحراء النائية، قيل: انه كان يتردد عليه مرة أو مرتين في الأسبوع للتزود بالماء بعد أن أخذ أوصافه كاملة، وبعد أن شاهده قبيل صلاة المغرب توجه إليه وبادره بالسلام ثم أعقبه بسؤال «أنت فلان؟».
وبعد ما تأكد من شخصيته أماط عن وجهه اللثام، عندها اهتز الرجل وهو يتفحص ملامحه، ويتأكد من خلالها انه الأمير محمد الأحمد السديري الذي بادره هو الآخر بعد ما «خمّن» سبب مجيئه قبل أن يتكلم بقوله: (عويذة الله من شرك يالسديري..) لا تحملني أمر ما أستطيعه.. يرد عليه (أنا سايق عليك وجه الله ثم وجهي..) وبعد ساعات من الوقوف ينتهي الفصل المثير بالتنازل عن القصاص، والتوجه من نفس المكان لمحكمة المدينة الذي استدعي قاضيها ليلاً لإثبات التنازل ويذكر للباحث الدكتور سلمان بن الأمير محمد الأحمد السديري-رحمهما الله- أن هذا الشخص الذي أنقذه والده لا يزال على قيد الحياة حتى اليوم.
ومما لا شك فيه أن الأمير محمد-رحمه الله- كان يحرص كل الحرص على تطبيق الشريعة الإسلامية، وهي شريعة هذه البلاد المباركة ونظامها، ففي حادثة قتل حصلت أيام إمارته في منطقة جازان عام1364ه/1945م، بذل ما في وسعه للقبض على القتلة وإبلاغ الملك عبدالعزيز بقصتهم والذي أمر بقتلهم وتطبيق الشرع فيهم لأنهم معتدون، ومن كان على شاكلتهم لا يتدخل الأمير محمد في الحصول على عفو لهم لينالوا جزاء عملهم.
وفاته رحمه الله.
لقد أصيب الأمير محمد –رحمه الله- بأزمة قلبية دخل على إثرها مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، ومما لا ريب فيه أن أبناءَه لم يدخروا جهداً أو مالاً في سبيل راحة وشفاء والدهم، ولقد أطلق أبو زيد بشجاعته المعهودة أبياتاً يخاطب فيها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله- الذي قدم لزيارته في المستشفى يصف له حال صراعه مع الدائرة ليقول:
سلطان شفت الموت مرة ومرة
والثالثة يامير كشر بنابه
مابيه لكنه بلاني بشره
زود على خيله يجمع ركابه
لو هو ظهر لي في صحاصيح بره
نذر علي أني لبين صوابه
لم يكن الأمير محمد الأحمد السديري يحب الأبواب الموصدة وكانت فرحته بالزائر والعابر كفرحة الزهر بالندى، عاش حتى آخر حياته مكرماً لضيفه، وأكثر ما آلمه أن تقنن زيارة الأحبة والأقرباء الذي تقاطروا لعيادته والاطمئنان عليه حفاظاً على صحته، لذا لم يحبذ الصمت رغم آلامه وأوجاعه فأطلق شحنة صادقة، رافضاً من خلالها أن يُحجب عنه عزيزٌ من الأهل والولد، واصفاً مقدمهم بالمطر الذي يوقظ مواسم الربيع، وناعتاً غيابهم بالحال الذي لا يهنأ معه قلب ليقول:
إن شفتكم ربّع فؤادي بالأزهار وان كان غبتوا صفق القلب مقهور
ولأن الخلود في هذه الدنيا لا يكون لأحد، فقد رحل عنها الأمير محمد الأحمد السديري بعد رحلة من الإخلاص للدين والمليك والوطن وخدمة للتاريخ والأدب، وكان ذلك في 28-2-1399ه الموافق 28-1-1979م في مدينة الرياض عن عمر يناهز الرابعة والستي نُقل بعدها إلى منطقة القصيم، وصلى عليه جمع غفير في مدينة بريدة بالجامع الكبير شارك بالصلاة عليه عدد من أصحاب السمو الملكي الأمراء والمعالي الوزراء والعلماء وجمع غفير من عامة الناس وحمل بعدها على القلوب والأعناق ليوضع في قبره في مزرعته التي اسماها «منيفة» بالقصيم شمال مدينة بريدة، والتي أوصى أن يدفن فيها -رحمه الله-. ولأنه عَلم من أعلام دولة التوحيد التي أسسها الملك عبدالعزيز –رحمه الله- وسيف من سيوفها فقد كتب عنه وأشاد بفضله ورثاه الكثير من معاصريه،
رحم الله الأمير محمد الأحمد السديري وجزاه الله خير الجزاء على ما قدم لدينه ولوطنه ومليكة ومجتمعه وبارك الله في إخوانه وأبنائه وأحفاده السائرين على ركبه.. وجزى الله الباحث كل خير.




يهتم




الأمير الفارس محمد الأحمد السديري




في جولاته التفقدية للمراكز الحدودية




يدشن أحد مشاريع المياه في الشمال

الشعر والرحيل

فالح الشراخ
الترحال من سمات سكان البادية وتغير تفرضه طبيعة الحياة وطلب العيش ويصاحب الرحيل تغيرات اجتماعية واقتصادية ووجدانية لوحظت في قصائد الفراق ولعل النواحي الوجدانية والعاطفية هي الأكثر تأثيراً وقد جسد الشعراء ساعة الفرقاء بأنها أبدية فعندما تحين ساعة الرحيل قبيل طلوع الشمس ينهض الجميع للوداع، وإسدال الستار على مرحلة في حياة البدو الرحل يكون آخر خيوط شمسها عندما ينخفض الأفق ويبتلع الضعن والأيدي تلوح بمرارة وقد يكون في بعضها الحناء المنقوش عندها يخيم الحزن على المكان الذي لم يبق فيه سوى ذكرى للراحلين ومنها أحجار "القدر الثلاثة" وهي بقايا تعرف باسم الرسوم منذ القدم يقول الشاعر الجاهلي:
لهند بأعلى ذي الأغر رسوم
الى حدأ كأنهن وشوم
ولعل أروع صورة بانورامية لمشهد الرحيل، وخفقان القلوب العاشقة، وانهمار دموع الوجد والفراق ماصوره الشاعر المبدع عبدالله بن سبيل، إذ يقول:
لولا الحيا لارقى طويل الرجومي
واصيح صوت كل من حولي أوحاه
عليه قلبي بين الاضلاع يومي
أوماي صقار لطيره ولاجاه
ويترك الأحبة آثارهم في المكان توقظ جروح الشوق للعابر من حولها أو لمن يبحث عن رائحة الراحلين وذكرياتهم عندها يقبل المكان ويسلي العاشق نفسه بما تبقى فيما يعرف باسم المراح، وعندما نسير خلف آثار أخفاف الأبل التي رحلت الى المكان البعيد نجد أن وقع اقدامها يزن ابيات شعر الفراق والرحيل المر:
ياعين لاتبكين من حر الأفراق
هذا زمان حل فيه الافراقي
سبة ظعون شلعوا قبل الاشراق
قفوا وانا قلبي تحول حراقي
وللرحيل ولحظات الفراق بعد العشق الذي ينشأ بشكل قوي ولاينتزع حتى يمتشق القلوب آثار في لغة التفاهم والشعر والمفردات لذا تجد أشعار وقصص التوجد هي السائدة ويعود ذلك إلى أن الفراق في ظل ظروف الصحراء وتقلباتها يشبه الأبدي حتى في نطاق المعارف، وقد نتج عن ذلك مفردات وأمثال منها الوجد واللوعة والفرقا وغيرها ويقال أيضا( روحة آل فلان) أي رحلوا ولم يرجعوا ومن هنا ينبع قوة التألم واللوعة عند الفراق يقول الشاعر:
ياعين وين أحبابك اللي تودين
اللي ليا جو منزل ربعوا به

بَآقِي مِنْ الذِكرَى تِوآقيعْ وَ حرُوفْ . ،
. . . . . . . . . وَ صفحَة عَذآبٍ مَآ طِوتهَآ اللِّيـَآلـِي . ,

شَمعة أمَل تِبعدْ عَن عيُونِي الخُوفْ . ،
. . . . . . . . . وَ أشبَآحْ مَآضِي قآربَتْ لِلـزوَآلـِيْ . ,

فيّه الرِّجَآ مَآ قد دِفنتَه وَ أنآ أشُوفْ . ،
. . . . . . . . . يُومَه يجِي مَآ قد نِشَد ِكيفْ حـَآلـِيّ . ,

حطّ السِبَبْ كِلّه مِقآديرْ وَ ظُروفْ . ،
. . . . . . . . . َو صدقتِ حَلفْ اللّي عَلى القلبِ غَآلِي . ,

من سلم من عدوه ماسلم من رفيقه
................ليته كان جتني ماتجي من قريّب

يجيبك الشوق والا تجيبك الحاجه
.............مصيرك اليا صفعك الوقت تذكرني
اقفيت والحزن عقبك هبت ادراجه
.................ولابقى الا قصيدي فيك يجبرني