قال: الملك عبدالعزيز أحد الأفذاذ الذين تكتب أسماؤهم في كف التاريخ
رافع الشهري: ملحمة "وثبة المجد" الشعرية هديتي للوطن
ياسر العتيبي- سبق- الرياض: قال عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية رافع علي الشهري عن شخصية موحد المملكة الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه: أجد نفسي حائراً وأنا أتحدث عن بطل من أبطال التاريخ بطل من أبطال هذه الأمة العظيمة التي كلما أوشك جيل من أجيالها على التهاوي والتمزق والانحدار أرسلت له فذاً ينتشله من الحضيض ليسمو به عالياً، وعبر عن هذه العبارات المفعمة بالحب والإخلاص لهذا الوطن الغالي في قصيدة طبعت لأول مرة عام 1419هـ.
وأكد أن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، رحمه الله، كان أحد هؤلاء الأفذاذ الذين تكتب أسماؤهم على مر الدهور والأزمان وفي كف التاريخ وفي صدور الأجيال وفي ذاكرة الأمة.
وأشار إلى أنه رأى فيه معاني العظمة والوفاء التي تذكر بأعظم أفذاذ هذه الأمة من بعد المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.
وأضاف: علمت تماماً أن الأقلام تعجز والألسنة تكل عن وصفه وذكر مناقبه ولكن شدة إعجابي به دعتني أن أنظم فيه شعراً ملحمياً من بحر الطويل وأعلم أنه قد لا يخلو من الهنات (الفنية) ولكن عذري في ذلك هو الالتزام بالتقريرية المسلم بها في شعر الملاحم والذي قلما يأخذ فيه الخيال مكاناً, علماً بأنني حاولت أن أضع لمسات فنية تصويرية في أكثر المواقف وأظن أني قد وفقت ولله الحمد.
وتابع: قسمت هذه الملحمة الصغيرة حسب وقائعها وأحداثها إلى فصول وجعلت لكل فصل قافية مستقلة ويجمعها بحر واحد هو الطويل ,وقد حاولت جاهداً أن أبتعد عن التغريب في الكلمات رغبة مني في أن يقرأها المثقف والعادي العربي دون صعوبة حتى أن البعض ظن أنها من الشعر النبطي (الشعبي) قبل أن يمعن فيها النظر خاصة وهم يقرؤون في فصل (الوثبة الأولى لفتح الرياض)، وفي (وثبة للمجد أحيت نضالها ** أعد لها عبدالعزيز رجالها).
وسأل الله العلي القدير أن يتغمد صانع هذا المجد المتألق عبدالعزيز بن عبدالرحمن بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته وأن يجزيه خير الجزاء، فقد بسط بإذنه تعالى الخير والأمن والنماء وأنجب لهذا الوطن أبناء بررة أوفياء.
المقدمة الشعرية(1)
تأملتُ في سِيَرِ البطولةِ والشممْ ** فأوقفني بطلُ تألق في الــقمــمْ
فأمعنتُ في التاريخ ادْرسُ مجده** وما أعظم المجد الذي يحيي الأممْ
فعبد العزيز ابن السعود موحدٌ ** لشعبٍ ترامى في الجزيرة وانقسمْ
لقد لمّ شمل الناس حين تفرقوا ** فصاروا سواءً تحت رفرفة العَلَمْ
وبدّل خوف الناس أمناً ونعمةً ** فجُرحُ الضغائن بينهمْ طاب والتأمْ
وأصبح من يمشي على الأرض أمِناً ** ويهنأ عيشاً حين يصْحوَ أو يَنمْ
ومُدّ شراع الخير فوق سمائنا ** فألحفَ حتى الجار بالمال والنعمْ
وإن جاء ضيفٌ زائرٌ لديارنا ** نكون له أهلاً وصحباً وكالحشَمْ
لأن لنا وطناً يفيض كرامةً ** فعبد العزيز الشهمُ علمنا الكرَمْ
فنعم المعلم والرعية والوطنْ ** ونعم الذي للعلم أصغى وقد عَلمْ
فيا أيها التاريخ يا شاهداً يرى ** تحدثْ عن الأبطال والمجد والقيمْ
وهات لنا صوراً تشعّ بطولةً ** لعبد العزيز الفارس الفذ ذي الشيمْ
ليعلم كل الناس عن سر مجدنا** وتعلم أجيال العروبة والعَجَمْ
ويعلم كلٌ عن كيان بلادنا ** وأن مؤسسها فتىً عاليَ الهمَمْ
ويعلم كلٌ عن موحدِ شملنا ** ومن بعد ما جثم التفرق والنقم
ومن ذا الذي حقن الدماء بعدله ** أليس الذي بالشرع والدين قد حَكَمْ؟
ومن ذا الذي نشر العقيدة بيننا** وقام برفع الجهل والخوف والسَقَمْ؟
أليس الذي القرآن دستور حكمة ** ومن يبتغي خيراً وبالله يعتصمْ؟
أليس الذي من سنة المصطفى استقى** وفي شَرفٍ خدم المشاعر والحَرَمْ
فيا أيها التاريخ يا خير شاهدٍ ** سنسمع قولاً منك قد خطّه القلمْ
ونسمع عن بانٍ بنى خير موطنٍ ** على خير أرضٍ أنجبتْ أشرف الأممْ
عبدالعزيز في صباه(2)
وشبّ فتىً في أرضنا ينشد المنى ** ومن قلب نجدٍ أسس الله مجدنا
ترعرع والآمال تحدوه كلها ** وقد لاح في الآفاق من ملْكه سنا
تذكّر آباءً له ضاع ملكهم ** بـنـوه على شرعٍ بناه نـبيـنا
بنوه على الإسلام والعدل والهدى ** وأرسى الدعائم في بناء صروحنا
فنعم الفتى عبدالعزيز ابن فيصلٍ ** ونِعم الذي أرسى ونِعم الذي بنى
رأى قومه بين العشائر شُرّدوا ** ولم يجدوا دوراً تقيهم وموطنا
رأى الناس فوضى بين باغٍ وجاهلٍ ** فحقّ له أن يستشيط ويحزنا
وحقّ له أن يسترد مكانه ** ليحكم حكمـاً عـادلاً ومهـيمنا
ويجعل شرع الله في الناس قائماً ** ومن سنة المختار نهجاً وديدنا
وراح الفتى في نجد يستلهم الهدَىَ ** ليبني ملكاً شامخاً ليس هينا
وضاق الفتى ذرعاً وفي نفسه عُلا ** فشمّر في عزمٍ وبالنصر أيقنا
وداعب أسنان الرماح برمحه ** وكسّر أسياف الرجال تفنـنا
وخاض مع الأبطال أشباه غارةٍ** وما كان إلا فارساً متمرنا
وبارز من فوق الجياد بسيفه ** فكان قوياً بارعاً متمكنا
أعدّ ليومٍ في يد الدهر قادمٍ ** مهندة الأسياف والنبل والقنا
فسِرُ الفتى في مجده كان عزمه ** فما خاب يوماً أو تردد وانثنى
وليس الذي يسعى لحقٍ يخصّه ** حرياً بأن يرتاب يوماً ويجبنا
فكان الفتى عبدالعزيز مجاهداً ** وفي كل أمرٍ يستشير ليفطنا
وكان شديد الرأي فارس قومه ** وكان قوي الدين بالله مؤمنا
عبدالعزيز في الكويت(3)
وراح الفتى في الأرض يستنهض العربْ ** وينشد قولاً للحقيقةِ قد وجبْ
بأن له مجداً عظيماً في العلا ** وأن له أصلاً عريقاً في النسبْ
وأن له مُلْكاً ترامت حدوده ** فعنه شعاع الشمس لم يخْبُ أو يغبْ
وأن له في نجد كل سيادةٍ ** أقرّ بها التاريخ نقـلاً في الكتبْ
وراع الأكابر فيه عقلاً وفطنةً ** تجلّتْ في الإقدام والصدق في الطلبْ
فقالوا بإعجابٍ مقالة حكمةٍ ** ونظرة صدقٍ في الرجولةِ لم تخبْ
بأن الفتى ذو حنكةٍ ونجابةٍ ** وفيه إمارات الزعامة والرتَبْ
وفية بإذن الله آمال شعبه ** وفيه الرجاء لآل مقرن والأرَبْ
وفتّحتْ الأبوابُ ترجو قدومه ** فكم من أميرٍ سُرّ بالضيف ذي الحسَبْ
وحل الفتى ضيفاً على ابن جابرٍ ** سليل الأكارم والجهابذة النُجبْ
وكم رحبت أرض الكويت وأهلها** فكل أخٍ يلقاه بالحب ينجذب
وكل صديق لا يود صديقه ** يكون عدواً يضمر المكر والعطب
فلا خير فيمن لا يجير حليفه** إذا جثمت يوماً على أرضه النوب
ولا خير فيمن لا يناصر طالباً** لعدلٍ يعيد الحق إن ضاع أو سُلبْ
فشيخ الكويت وشعبه ودياره ** رموز وفاءٍ في سما الحق كالشُهبْ
وقد ناصروا عبد العزيز وأهله ** ولم يختفوا خلف الستائر والحُجبْ
وأسقوه من لُعبِ السياسة حنكة * سرتْ في الدماء فأذكتْ العقل والعصَبْ
فقد ترجم الشيخ الصباح وفاءه ** مع أقرب الجيران والجار ذي الجنب
رآه الفتى عبدالعزيز مفاوضاً ** مع روسيا والغرب فانتابه العجَبْ
الوثبة الأولى لفتح الرياض(4)
وفي وثبةٍ للمجد أحيتْ نضالها ** أعدّ لها عبدالعزيز رجالها
فكانوا حماةً للعقيدة والحِمىَ ** وكانوا شواطئ أرضنا وجبالها
وكانوا سيوفاً في الوطيس وفي الوغى** أضاؤوا تلال ديارنا ورمالها
سيوف الفتى عبدالعزيز قواطعٌ ** إذا لَمعتْ غطّى البريقُ ظِلالها
فهم ثلة التوحيد لله درّهمْ ** أعادوا لنَجدٍ والجزيرة حالها
فكانوا نجوماً شعّ في الأرض نورها** وكان الفتى عبدالعزيز هلالها
وفي واحة (اليبرين) عدّ رجالَه ** وأعطىَ السيوف وشدّ فيها نصالها
فستون فذاً للمنايا تجهزوا ** فشدوا المطايا خيلها وجِمالَها
وساروا لفتحٍ بارك الله أمره ** له أشرقتْ نجدٌ وأبدتْ جَمَالَها
ومدّتْ لهم أرض الرياضِ يمينها** وفي شَغَفٍ مدّتْ إليهم شِمالها
لقاء الأحبة بين أمٍ وابنها ** كعود الفتى للدار لمّا أتى لها
فتح الرياض(5)
وفي ليلةٍ قمريةٍ ذات أنجمِ ** بدتْ نجد تزهو للأمير المعظمِ
وكل البراري والسهول تعانقت ** لتهمس في همس المحب المتيمِ
تكاد من الأرواح تفضح سرّه ** ولكنـها بالعشـق لـم تـتكلمِ
روابيْ رياض المجد حين أتى بها ** تغنت وقالت مرحباً بالمكّرمِ
سليل الأماجد من أصول ابن مقرنٍ ** إذا حملوا الرايات جاؤوا بمغنم
وفي وثبة الأبطال اقتحم الفتى ** حصوناً بها عجلان يأوي ويحتمي
وألفى بها عبد العزيز غريمَه ** غداة نهارٍ بـاسم ٍمتـبسمِ
يداعب بين الخيل أجود خيله ** وكل حصانٍ بارعٍ ومُعلّمِ
وباغته عبد العزيز برميةٍ ** ففرّ جريحاً في عنىً وتألُم ِ
وصاح بأعلى صوته في توسلٍ ** ولكنه من حتـفه لم يُسلّمِ
أتته المنيةُ راغماً عند بابه ** أتاه بها المقدام تقطر بالدّم
ونادى منادٍ من على القصر معلناً ** بمُلكٍ جديدٍ عاد بعد تجشُمِ
وعاد به عبد العزيز مظفّراً ** ليحمله في الله خير محَكّمِ
وقال المنادي إنما الملك للذي ** أقام السماء بلا عمادٍ وُسلّمِ
ونادى المنادي معلناً بولائه ** لعبد العزيز ابن السعود المعظم
مليكٌ أعاد الملك حقاً لأهله ** وحق الأكارم عندنا خير مقَسمِ
وجاء المليك إلى أبيه مقدماً ** له العرش في حُبٍ جزيلٍ ومفعم
فقال أبوه وقد ترقرق دمعه ** لأنت المليك فأنت مني ومن دمي
وأنت الذي بالعزمِ قد ردّ ملكنا ** فخذ بيعتي لك في رضى وتفهم
فقبّله عبد العزيز وضمّه ** إليه بساعـدهِ ومـدّ بمعصَمِ
فصارتْ رياض المجد ترقص فرحةٍ ** ويطرب فيها كل كهلٍ وبرعَمِ
ومدّتْ يمين الفتح للأرض خيرها ** وطالت يمين الفتح أنّى تيمم
عبدالعزيز وابن الرشيد(6)
أيا ساكناً نجداً أتذكر ما جرى ؟ ** أتذكر من حكم الحجاز وشمرا؟
أتذكر أسلاف المليك ابن فيصلٍ ** أما حكموا شرق البلاد وخيبرا؟
أما علمتْ أرض الجزيرة حينما ** أُقيم الرشيدُ على الشمال وأمِّرا؟
لقد علمتْ أن السعودَ أقامه ** فما كان إلا عاملاً قد تجبرا
وما كان إلا خارجاً عن مليكه ** ولولا المليك لما علا وتأمرا
ومن بعد أمر الله فيما أراده ** فسبحان من كتب الأمور وقدّرا
وجاءت صفوف الترك تسند جيشه ** لتجعله صلب الشكيمة والعُرى
فقال له عبد العزيز بحكمةٍ ** إذا شئت فاوضنا وإلا فـما ترى!!
وأنذرَه عبد العزيز بقوةٍ ** وقال له من أنذر الناس أعذرا
ودارت رحى الحرب التي طال حينها ** وكان بها عبد العزيز مظفرا
وولتْ فلول الترك في غير رجعةٍ ** تيمم شطر الشام أو شطر أنقرا
عبدالعزيز وبعض خصومه(7)
وقد عَلِمَ الخصماءُ ما كان خافياً ** وأن المليك لدينه كان حاميا
وما كان في يومٍ على الناس معتدٍ ** وما كان في يومٍ على الناس باغيا
وقد شهد الخصماء والحق قولهم ** بأن المليك لربه كان داعيا
وكان على قدر المكارم كلها ** فلم يبق من شرف المعالي باقيا
وقد كان ذا عفو وإن كان قادراً ** على خصمه لو جاء في القيد عانيا
وكم صَبرَ الملك الصبور على الذي ** من الجهل أصبح للحجيج معاديا
ومن حقده صدّ الحجيج لنجدِهمْ ** فلم يبق بين الناس منهمُ ساعيا
وما صبْرَ ابن سعود جبناً وخلعةً ** ولكنه قد كان للجار وافيا
ولما أساء الجار للدين لم يعدْ ** سوى دفعه ثمناً وإن كان غاليا
وعمّ الأمان على الحجاز وأصبحتْ ** تمدُّ لكل المسلمين الأياديا
وما أن رأى عبد العزيز مظالماً ** سرتْ في الجزيرة قام للحق حاميا
وجاء الجنوبُ إلى الشمال مصافحاً ** وشرق البلاد وغربها قد تلاقيا
وكلٌ أتى نحو المليك مبايعاً ** وقالوا هنيئاً قد أطعناك واليا
وقد أكرم ابن سعود من جاء طائعاً ** وكلٌ من الأعيان نال الأمانيا
توحيد المملكة العربية السعودية ودستور البلاد(8)
وفي غرة الميزان أُعلن للملا ** بمملكة عربية تنشد العلا
سعودية البنيان والدين أصلها ** وتحمل للإسلام بنداً ومشعلا
فمنهجها القرآن أعظم منهجٍ ** وسنة أحمدَ منهجٌ قد تأصلا
وفي أمرها شوريةٌ بين شعبها ** وكلٌ له رأي إذا كان عاقلا
وأم القرى للدين كانت ولم تزل ** مقراً وعاصمة ومأوى وموئلا
مقدمةٌ عند الإله وخلقه ** وتلبس فوق الأرض تاجاً مكللا
وليس لأهل الكفر أن يطؤونها ** وأن يجعلوا فيها مقراً ومنزلا
وأما رياض المجد فالمجد زانها ** وصارت لأرباب السياسة منهلا
وقد فُتحَتْ فيها الوزارات كلها ** وصارت لدين الله والعُرب معقلا
وكم يفد الزعماء من كل دولة ** ومقصدهم فهم السياسة أولا
فبالخير لا بالشر تسقي وتستقي ** وكل سقاءٍ صار بالودّ سلسلاً
الملك عبدالعزيز وروزفلت وتشرشل(9)
وسَلْ روزفلت عن المليك المبجلِ ** عن الملك المقدام عن ابن فيصلِ
وسله عن الشهم المهيب الذي رأى ** عليه سمات المجد والعز تعتلي
رأى فيه أمجاد العروبة كلهمْ ** فمجدٌ على مجدٍ من العز يمتلي
رأى فيه رمز العبقرية ظاهراً ** ومعنى الكرامة والشهامة قد جلي
وناهيك عن سر البلاغة كلما ** تكلم أوجز في بيانٍ مفصل
وقد قال فيها روزفلت شهادةً ** أشاد بها الزعماء في كل محفل
وقال لقد مرّتْ سنونٌ عديدةٌ ** ولم أدر ماذا عن فلسطين قيل لي
فسرّ القضية غامضٌ ما علمته ** لأن الحقيقة بُدّلتْ بمبَدّل
وأخبرني عبد العزيز مبيناً ** معاناة شعبٍ في فلسطين ابتلي
وأعلمني بحقيقةٍ قد جهلتها ** وسلّط أضواءً عليها بمشعل
فقال يعود يهود من حيث شُردوا ** فليس لهم في أرضنا أي منزل
فكفوا عن البذل الذي تبذلونه ** لدعم اليهود وظُلم شعبٍ مؤصل
وقد أسمعَ صهيونَ المقالةَ كلها ** وأسمعها أيضاً لمستر تشرشلِ
وكمْ أذهل الملك العظيم خصومه ** لحنكته في كل يسرٍ ومعضل
وقد أذهل الزعماء عند ظهوره * ففي الشرق أو في الغرب قيل ابن فيصل
وقيل له ابن سعود من بعد اسمه ** وقيل له الصقر المحلق مِنْ علي
عدالة عبدالعزيز(10)
وقال أبو تركي لشعبٍ توحدا ** على كل فردٍ أن يقول ويشهدا
بأنا فتحنا للأنام صدورنا ** ولن نغلق الأبواب عنهم ونوصدا
وأنا سننظر في المظالم كلها ** وفي أخذ حكم الله لن نترددا
وقال المليك ليعلم الناس إنني ** سأنصب ميزان العدالة والهدى
وأسمع للشاكي وإن كنت خصمه ** فأنصفه مني وممن قد اعتدى
ولو كان ابني أو حفيدي وإخوتي **ولو كان شيخاً أو أميراً وسيدا
عبدالعزيز ودعوة العجوز(11)
ويامن رأى عبدالعزيز ملثماً ** ومن بعدما جنّ المساء وأظلما
وبين الرعية سائراً متخفياً ** ليسعد محزوناً ويعطى مُعد ما
وينصر مظلوماً ويكسي عارياً ** ويسمع أيضاً شاكياً متظلما
ويا من رآه وقد تفرق دمعه ** لشكوى التي ترعى صغيراً تيتما
ويا من رأى الملك العظيم وقد جثى** وضم اليتيم مقبلاً ومسلما
والدمعُ في عينيه يخنق صوته ** تكاد الجلالة فيه أن تتكلما
وجاد المليك ببذله وسخائه ** ليمسح دمعة من بكى وتألما
وينشد فضل الله عند لقائه ** فسبحان من أعطى المليك وأنعما
وأقبلت الأم الرؤوم بطفلها ** وقد رفعت كلتا اليدين إلى السما
وقالت إلهي حققْ النصر والمنى ** لعبدالعزيز وهبْ له منك مغنما
وأخرجْ له من باطن الأرض كنزها ** واجعله بالخير الوفير منعما
وطارتْ إلى الآفاق دعوتها التي ** تعدّتْ سحاباً ثم شمساً وأنجما
وصارت كنوز الأرض تترى بخيرها ** على ملكٍ للشعب أعطىَ وأكرما
مجالس الذكر في دار عبدالعزيز(12)
ولله يا دار المليك الموحدِ ** سرىَ من جوانبها دعاء التهجدِ
سرىَ يحمل التوحيد في نفحاته ** ويحمل إخلاص التقى والتعبدِ
ففي هدأة الليل البهيم تسللت ** صلاة مليكٍ قد جفا كل مرقدِ
وآثر نجوى الله في كل هجعةٍ ** ليسأله من كل خير ومقصدِ
ويا من رأى عبدالعزيز مرتلاً ** لآي كتاب الله أفضل موردِ
وقد ذرفتْ عيناه خشية ربه ** وأتبعها بتأوهٍ وتنهدِ
ويا من رآه ودمعه متحدراً ** على وجنتيه ويمسح الدمع باليد
فلله يا عبدالعزيز وأنت من ** أقام الشريعة دون أي ترددِ
وأنت الذي حكم الديار بمصحفٍ ** كتاب العزيز معززاً بمهندِ
وأنت الذي يعطي وفي الله يبتغي ** وتمشي على نهج الرسول محمد
ويا من رأى عبدالعزيز وحوله ** بنوه وأهل العلم في خير مشهدِ
لهم من كتاب الله درسٌ محددٌ ** إذا قرؤوا قرؤوا بصوتٍ مجودِ
ومن سنة المختار كان نصيبهم ** قراءة فقهٍ أو حديثٍ ومُسندِ
ومن كل عِلمٍ ينهلون مناهلاً ** إذا نبعتْ بالحق من هدي أحمدِ
وصية عبدالعزيز لأبنائه ومن يلي الحكم من بعده (13)
ومن بعد عمرٍ حافلٍ بالعظائمِ ** طوته سنون المجد.. مجد الأكارمِ
رأى الملك ابن سعود قُربَ رحيلِه ** إلى ربه الرحمن أرحم راحمِ
ووصى المليك بنيه خير وصيةٍ ** تُعدّ بأغلى من صليل الدراهم
وأغلى من الذهب السبيك لأنها ** لأمتنا من قبْل ابنٍ وحاكم
وقال المليك لولي العهد بعده ** تزود من التقوى وكنْ غير آثمِ
وانصر بني الإسلام نصراً مؤزراً** وكنْ في لِقا اللأواء في صبر حازم
وكن مخلصاً لله داعٍ بحكمةٍ ** وقرّب إليك موقِراً كل عالِمِ
واعدلْ في الأحكام فالعدل واجبٌ ** فبالعدل ترسي شامخات الدعائم
وخفْ من وبال الظلم فالظلم قاتلٌ ** ودعوة مظلومٍ تودي بظالم
واحرصْ على أن تعبد الله خالياً ** وخذ لك في الظلماء ركعة قائمِ
ورتل كتاب الله في كل ليلةٍ ** وأمسك إذا ما شئت إمساك صائمِ
وأكثر من الطاعات وازدد تنفلاً ** لعلك أن تحظى بحسن الخواتمِ
وقال له هذي نصائح مخلصٍ ** فإن تتّبْعها لست يوماً بنــادم
لقد قالها عبد العزيز مودعاً ** حياة الجهاد وحمل أغلى الصوارم
لقد قالها من بعد سبعين حجةً ** قضى جلها في رسم أعلى المعالمِ
ومن بعد ما شهد المشاهد معلناً ** بتوحيد خلاقٍ عظيمٍ ودائم
وفاضت إلى رب البرية روحه ** ومات على التقوى وصنع التلاحم
الخاتمة(14)
ومن سير الأبطال نستلهم العبر ْ * وننقش ما قالوا على الصدر والحجرْ
ونرسم ما فعلوا برسمٍ مذَهّبٍ ** ونرفعها للمجد فوق الذرى صورْ
فعبد العزيز أقام للمجد منزلاً ** رفيع العمادِ يبهرُ العقل والبصَرْ
وعبد العزيز هو الذي لمّ شعثنا ** فوحد أطراف الجزيرة بالحضَرْ
وعبد العزيز هو الذي صاغ بندنا ** فوحّدَ فيه إلهـنا خالق البشرْ
وعبد العزيز هو الذي كابد الأسى ** ليبعد عنا الجهل والظلم والقهَرْ
أتى في زمانٍ أجدبت فيه أرضنا ** فكان بفضل الله للأرض كالمطر
به حقن الرحمن سفك دمائنا ** وصان به ما كاد يفنى ويندثرْ
أقام حدود الله حين تعطلتْ ** فدلّ على المعروف بالحلم والصبُرْ
فنشّأ شعباً نشأة الخير والتقى ** وعن منكر الأفعال في الناس قد زجَرْ
فعمّ الرخاء ديارنا بعد أمنها ** ولا تسعد الأوطان بالخوف والخطر
فسرْ في الديار ميمماً أي وجهةٍ ** ولا تخش مكروهاً يسؤك في سفرْ
وإن كنت في حِلٍ فسربك آمِنٌ ** وهل بعد هذا الأمن ينتابك الكدر
فعبد العزيز بنى كياناً بحكمةٍ ** ومن يؤتها يؤت المغانم والظفر
بنته يداه فأحسن الله ما بنى ** رفيع الدعائم حُسْنه يلفت النظر
كيانٌ عظيم سرّه في بنائه ** يكاد يلامس من ضخامته القمر
فما كل بَنّاءٍ يجيد بناءه ** وما كل من حاك السياسة مقتدر
وعبد العزيز أضفى على الحكم حنكةً** يداول في أحوالها المد والجزر
فأسس للشورى في الحكم منهجاً ** أقام دعائمه بـنوه كما أمـر
وقرّبَ أهل العلم والفضل والنهى ** وشاورَهم فيما تعذر أو كبُرْ
كأني به في فعـله وصفاته ** نبيلٌ من الأسلاف في عصرنا ظهر
وقد رسم الملك العظيم بنهجه ** حياة أبي بكرٍ ومن بعده عمر
وصوّر في كف الزمان معالماً ** ستبقى على مر الدهور لنا أثـَرْ
ستبقى مع الأجيال لحناً مردداً ** بأعذب أغنيةٍ يصاحبها وتَـرْ
فيا أرضنا بين الأراضين افرحي ** ففوقك أحمد قد تربى وقد قُبر
وفوقك أصحاب الرسول ترعرعوا ** ومن فوقك دين الإله قد انتشر
ومنذ أتى عبد العزيز ابن فيصلٍ ** وفوقك وحَّدنا على الحق فانتصر
وفوقك أبناء المليك ترعرعوا ** وكلٌ على ما كان والده ظَهَر
وكل بني عبد العزيز على الهدى * ومن كان من عبد العزيز قد انحدر
ولو صغتُ في عبد العزيز ملاحماً * من المدح ما أوْفِيه رُبْعاً من الشطر
ولكنني أهدي إليه قوافياً ** مكـللةً بالحب والفـل والدررْ
وإن كنت لم أوْفِيِه بالشعر حقّه ** لعجز الكلام عن العظام.. فأعتذرْ