|
|
الساحه الدينية تهتم بجميع الامور الدينيه من فتاوى واذكار واحاديث |
آخر 10 مشاركات |
|
أدوات الموضوع |
09 / 12 / 2003, 57 : 04 PM | #1 |
تميراوي نشيط
|
الموت
المـــــــــــــــــــــــوت
لفظ مخيف . وعنوان مزعج . ونبأ مفزع . وخبر مذهل . وشبح مبهر الموت هو المصير المحتوم , والأجل المكتوب , والغائب المرهوب هو إعلان الخاتمة , ونذير النهاية هو المشهد الأول من مشاهد الآخرة هو المحطة الأولى من محطات الأمم المسافرة قصم الله به رقاب الجبابرة وكسر به ظهور الأكاسرة وقصر ( بتشديد الصاد ) به آمال القياصرة ونقلهم من القصور إلى القبور ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ومن الأنس بالزوجات والأبناء والإخوان إلى مقاساة الهوام والديدان ومن التمتع بالطعام والشراب إلى التمرغ في التراب , ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل , إنه قدر الجبار المنتقم , فيا لله كم أفنى من الأمم الموت ... مخلوق غامض غريب احتار الناس في أمره , وعجز الأطباء في دفعه شجاع يتسلق الجدران , ويصعد الحيطان ويجوب الفيافي والقفار ويعبر البحور والأنهار لا يحتمى منه بقلاع ولا يمتنع منه بحصون ( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) لا يخلص منه المهرب ولا ينجي منه الفرار الموت ... زائر لا يستأذن وضيف لا يعرف المجاملة وباطش لا ترده الواسطة . يستوي عنده الكبير والصغير والأمير والحقير والغني والفقير والملك والمملوك ليس لزيارته موعد محدد ولا لقدومه زمن معين يأخذ العريس في ليلة عرسه ويخطف الحسناء في يوم زفافها ويقبض صاحب المنصب في أول أيامه وأولى ساعاته يحول الأفراح إلى أتراح والسعادة إلى شقاء وأيام الأنس إلى نكد وليالي الفرح إلى مأتم والضحك إلى بكاء والزغاريد إلى ولولة بينما الأم قد حضرت طعامها وهيأت نفسها وبشرت أبناءها بقرب قدوم أبيهم إذا بالخبر المفزع والنبأ الفاجع : مات الأب! فترملت الأم ويتم الأبناء وبينما الوالدة تنتظر ولدها الغائب وابنها الحبيب تتشوق لرؤيته وتتطلع إلى احتضانه إذا بالخبر الأليم والنبأ العظيم : مات الولد الحبيب الموت .... قدومه فاجعة , وهجمته قارعة , وزيارته صاعقة ونزوله مصيبة فالموت مصيبة كبرى وداهية عظمى ولكن الأعظم من ذلك نسيانه والأشنع من نزوله الغفلة عنه والأصعب من لقائه عدم الاستعداد له لقد شغل الناس عنه وتغافلوا عن خطبه غرتهم الحياة وألهاهم الأمل من كان حين تصيب الشمس جبهته أو الغبار يخاف الشين والشعثا ويألف الظل كي تبقى بشاشته فسوف يسكن يوما راغما جدثا في قعر مظلمة غبراء موحشة يطيل في قعرها تحت الثرى اللبثا تجهزي بجهاز تبلغين به يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا لقد شغلتنا مباهج الحياة وألهتنا زينة الدنيا وغرتنا أموالنا وأهلونا ومناصبنا عن تذكر الموت الذي لا بد من لقائه والكأس الذي لا مناص من شربه والثوب الذي لا مفر من لبسه , لقد أصبحنا اليوم نضيق ذرعا بمن يذكرنا الموت ويحذرنا الفناء ويخوفنا مرارة اللقاء نحمل الميت على أكتافنا ونحن في غفلة عن هذا المصير فيد تحمل النعش والأخرى تتصل بالجوال وتتابع الأعمال وبعضهم يمشون في الجنازة وهم يحسبون الحسابات ويستبشرون بالتركات لقد بلينا في هذا الزمن بما لم يبتل به غيرنا , ولم يعرفه سوانا من الأمم السابقة من مغريات لا تحصى وملهيات لا تحصر وشهوات لا تنقطع ومهلكات لا ترتدع شاشات مدمرات وقنوات هابطة يمسي البيت مؤمنا فيصبح معها فاسقا وتنام الأسرة عفيفة شريفة فتستيقظ معها على فضيحة وتصحو على جريمة تزين المعصية وتحبب الخطيئة وتهون الخيانة وتنفر من الديانة وتدعو إلى السفور وتطبل للفجور وتصور الحياة بأنها الفرصة السانحة للانكباب على الشهوات والفوز بالملذات خيمت الغفلة على القلوب وجثمت الصوارف على النفوس فلا عقل يتدبر ولا فكر يتأمل ولا قلب يخشع ولا عين تدمع ولا فؤاد يرجف وجدير بمن يعلم أن الموت مصرعه والتراب مضجعه والدود أنيسه ومنكر ونكير جليسه والقبر مقره وبطن الأرض مستقره والقيامة موعده وفي الحشر موقفه وعلى رؤوس الخلائق تنشر صحيفته وعلى الصراط مروره وإلى الجنة أو النارمورده جدير به أن لا يكون له فكر إلا في ذلكولا استعداد إلا لما هنالك قال صلى الله عليه وسلم : أكثروا من ذكر هازم اللذات ...رواه الترمذي وابن ماجة يروى أن موسى عليه السلام لما صارت روحه إلى ربه سئل : يا موسى كيف وجدت الموت ؟ قال : وجدت نفسي كالعصفور حين يقلى على المقلى وهو حي , لا يموت فيستريح ولا ينجو فيطير ولما حضرت أبا بكر الوفاة , قالوا له : ألا ندعو لك طبيبا ينظر إليك , قال : قد نظر إلي طبيبي وقال : إني فعال لما أريد ولما حضرت عمرو بن العاص الوفاة قال : اللهم أمرتنا فأضعنا ونهيتنا فركبنا فلا بريء فأعتذر ولا عزيز فأنتصر ولكن لا إله إلا أنت وما زال يقولها حتى مات ولما حضرت معاوية بن أبي سفيان الوفاة قال : أقعدوني فأقعد وبكى حتى علا بكاؤه ثم قال : يا رب ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي اللهم أقل العثرة واغفر الزلة وعد بحلمك على من لا يرجو غيرك ولا يثق بغيرك ولما حضرت المأمون الوفاة افترش رمادا ووضع خده عليه وقال يا من لا يزول ملكه , ارحم من زال ملكه من كتاب نسيم الحجاز / د. ناصر الزهراني |
علاوي
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|