رحلة إلى الجامع الأزهر !!
موسى محمد هجاد الزهراني
تحت إلحاح شديدٍ من الأهل .. قررنا الذهاب للصلاة صلاة الفجر في منارة الإسلام في قاهرة المعز ..في الجامع الأزهر ! .
ذهبنا في الساعة الثانية بعد منتصف الليل في العشر الأخير من رمضان ، ولما وصلنا إلى هناك رأينا ما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب مؤمن ! .. رأينا قرب مسجد الحسين الذي يُزعم أن به قبر الحسين بن علي رضي الله عنه رأينا نساءً كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة .. كل امرأة منهن تتأبط شراً .. تمسك بيد شيطان من شياطين الأنس ،لم يصفد مع إخوته شياطين الجن الذي صفدوا في رمضان لحكمة يعلمها الله ..
مكثنا نذهب ونجيء انتظاراً لفتح أبواب الجامع الأزهر في الشوارع المجاورة .. تحت وطأة الروائح الكريهة والوساخات والقذارات المنتشرة في كل مكان .. فالقوم لا يعرفون (البلدية ) التي نعرفها في بلادنا والتي حولت الصحاري إلى قطعة من الألماس الناصع نظافة وطهارة ..
ترى حول مسجد الحسين _ الذي أبيت دخوله مطلقاً لشبهة وجود الضريح به _ المقاهي النتنة وآلات المعازف والنساء الفاجرات في الثلث الأخير من الليل .. أحسست بأنني أتنفس من ثقب إبرة .. وكدت أختنق من سوء ما أرى .. فلم أستفق إلاّ على صوت أهلي تخبرني بأن باب الأزهر فتُح وذلك كان قبيل الفجر بساعة .. حمدنا الله ودخلنا إلى باحة الجامع الأزهر من باب (قاتيباي ) .. بهرتنا العمارة وبساطتها وأرجعتنا إلى عراقة البناء القديم للمساجد .. مُزج ذلك بأنوار خافته لقناديل معلقة في جوانب الجامع .
ما أزعجني هو أن مظاهر الالتزام بالسنة الصحيحة تكاد تختفي تماماً هناك ، قاموا بتشغيل قراءة للقرآن الكريم عبر مكبرات الصوت ، بصوت يمطط الآيات ويمزقها تمزيقاً ، ويتفنن في تكلف الإتيان بالقراءات المتنوعة .. من حفص .. إلى ورش إلى الكسائي إلى الدوري .. وهكذا .. والهمج الرعاع ينعقون خلفه كلما أعجبته نفسه فمطّ آيةً من الآيات ووقف عليها ! . فقلت في نفسي هذا بلاء ابتليته به فلم أستطع الخشوع في قراءتي للقرآن ولا استماع الأخ الممطط ! ولا في الدعاء فاحتبيت ، وأطلقتُ بصري في الجامع وبي من الهم ما يملأ بلدة .
أثناء ذلك كان رجل كبير في الجسم يصلي بجواري ويذكر أذكار الركوع السجود و بصوت مرتفع بل حتى الدعاء في السجود .. .. فكان مما قاله فجعلني أضحك عجباً " مِنّكِ لله يا زينب .. ربنا يوريني فيك قدرته " !! ولا أعلم من هي زينب هذه التي استحقت دعاء منه في الثلث الأخير من الليل في العشر الأواخر من رمضان .. اقترب موعد الأذان – أذان الفجر - فحمدت الله أن الهمّ اقترب زواله . قام مؤذن نظيف الوجه تماماً إلاّ من نظارة يضعها على عينيه ليرفع صوت الحق .. وبيده مسبحة طولها سبعون ذراعاً ! فلما انتهى من أذانٍ مططه تمطيطاً .. قال بصوت عالٍ بعده مباشرة .. " وصـلى الله على سيـدنا محمد وآله وصحبه أجمعيييين " .. فاهتزت معه الرؤوووس وتمايلت طرباً !! .
فقلت في نفسي : سبحان الله ، أما كفاك اتباع السنة ؟! كدت أقوم بينهم ناصحاً فتذكرت أنني لست موسى بني إسرائيل الذي أرسل إلى فرعون فكان معه ما كان .. حتى أغرقه الله في اليم .. أما أنا فموسى الزهراني الضعيف " النحيف " .. أواجه سبعين مليوناً ( لربما كان بعضهم ) فراعنة ! فعدت إلى مكاني بعد أن جبنت عن إنكار المنكر .. فعذري معي !!
مكثنا دقائق ثم أقيمت الصلاة .. فتقدم إمام مسبل .. " استقيموا وصلوا صلاة مودع .. من وصل صفاً وصله الله .. ومن قطع صفاً قطعه الله .. أتموا الصف الأول كملوا الصف يا أخوانّا .. "
فتطوع اثنان من خلفه أحدهما بجواري _ كنت توسمت في طول لحيته البيضاء الخير - .. فصاح : ما تسمعوا كلام الأستاذ الدكتور يا اخوانّا ما تكملوا الصف بأة !! .. فقال الأخر .. الله ؟! ما تسمعوا الكلام .. لا حول ولا قوة إلا . . . ما تيالله أمال ! .
هدأت العاصفة فكبر بعد أن كادت روحي تخرج ! لحظات ساكنة انسابت فيها الروح مع آيات الرحمن .. لم تدم تلك السكينة طويلاً .. سرعان ما تلاشت ، إذ مزقها صوت عظيم يشبه صوت " دبّاب " يسير بسرعة 120 كم في الساعة مصحوباً برائحة عفنة تشبه رائحة الكراث المتعفن المخلوط بالثوم المنقوع في ماء آسنٍ شهراً !! فغبت عن الوعي .. وبعد إفاقتي اكتشفت أن ذلك كان مجرد تجشأٍ من الرجل الذي كان يقف بجواري .. فأحسست بمعدتي تدور في بطني تريد الاستئذان لكي تخرج من فمي فمنعتها بحزمٍ وصرامةٍ .. وترحمّت كثيراً على الخشوع والطمأنينة ! قضيت الصلاة وأنا كالمغشي عليه من الموت ! .
قام الناس كي يصافحوا إمام العصر شيخ الإسلام ويتمسحوا به وأنا أنظر إليه شزراً وهو ينتظر مني التمسح به ومصافحته فهز رأسه تعجباً ومط شفتيه وقام محوقلاً ! ..
وولينا نحن نجر أذيال التعب النفسي والإرهاق البدني .. إلى هنا نأتي إلى نهاية هذه المأساة وإلى لقاءٍ آخر ..
القاهرة . منشية البكاري
قبيل مغرب الأربعاء 27/رمضان 1425هـ
+++++ ( وصلني على الايميل ) +++++