ارتياح شعبي لإعادة توجيهه إلى مستحقيه
"حساب المواطن".. هل يعالج عشوائية الدعم ويرسخ ثقافة الترشيد والادخار في الشارع السعودي؟
A A A
عيسى الحربي - الرياض
0
5
8,148
شغلت قضية "الدعم الحكومي" في المجتمع السعودي الكثير من الجدال واللغط طيلة السنوات الماضية، وصاحب ذلك طرح عدد من الأفكار والاقتراحات في كيفية تأمين الدعم، وتوجيهه لمستحقيه فقط، وليس للجميع، إلى أن أعلنت الحكومة أخيرًا تجميع كل أشكال الدعم الحكومي للمواطنين تحت مظلة واحدة، يطلق عليها اسم "حساب المواطن". وستدفع الدولة بموجب هذا الحساب للأسر السعودية مبالغ نقدية مباشرة كل شهر، وفق معايير محددة، مشيرة إلى أن "حساب المواطن" هو مظلة شاملة لكافة أشكال الدعم السكني والصحي والتنمية الاجتماعية والطاقة، وغيرها لاحقًا.
وفي الوقت ذاته، توقَّع متخصصون أن يدفع "حساب المواطن" إلى تعزيز ثقافة الترشيد في المجتمع السعودي بشكل أفضل مما سبق، مؤكدين أن هذه الثقافة كانت غائبة عن أفراد المجتمع في ظل توافر الدعم الحكومي للجميع بلا استثناء.
ويرى محللون اقتصاديون أن "الدولة تنفق مبالغ كثيرة وضخمة في دعم المواد الغذائية والوقود والكهرباء والخدمات، وذلك في إطار تخفيف العبء على المواطنين من محدودي الدخل"، بيد أنهم حذروا من "تبعات تعميم هذا الدعم على الجميع؛ إذ شمل المواطنين من ميسوري ومحدودي الدخل، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، كما شمل أيضًا الوافدين الأجانب العاملين في السعودية".
وتجسدت أكبر أمثلة للدعم الحكومي في أسعار الوقود وتعريفة الكهرباء، التي ظلت في معدل منخفض للغاية طويلة عقود مضت، قبل أن توجِّه الدولة بارتفاعها ـ نسبيًّا ـ قبل نحو عام. وقد استفاد من هذا الدعم جميع الموجودين في السعودية، بصرف النظر عن قدراتهم المالية وأوضاعهم الاقتصادية.
ويتطلب استفادة محدودي الدخل من "حساب المواطن"، الذي سيبدأ في أول فبراير 2017، التقدُّم ببيانات الدخل، وعدد أفراد الأسرة. وتم تقسيم الفئات المستحقة للدعم لـ 5 شرائح حسب دخل الأسرة. وكل أسرة يقل دخل أفرادها الشهري عن 20160 ريالاً تستحق الدعم، ومع تعويض 100 % لأصحاب الدخل المنخفض بـ 1200 ريال شهريًّا (الدخل من 0 – 11999 ريالاً شهريًّا)، وتعويض 75 % لأصحاب الدخل المتوسط بـ 1000 ريال شهريًّا (الدخل من 12000 – 15299 ريالاً شهريًّا)، وتعويض 50 % لأصحاب الدخل فوق المتوسط بـ 600 ريال شهريًّا (الدخل بين 15300 – 20159 ريالاً شهريًّا)، ولن تتلقى الأسر التي يزيد دخلها على 20160 ريالاً شهريًّا الدعم.
وحددت الحكومة متوسطًا للاستهلاك المقبول شهريًّا من المواد المشمولة بالدعم، مثل الكهرباء والمياه والبنزين، وقالت إنه سيجري تعديل قيمة الدعم المستحق للأسرة السعودية تبعًا لتغيُّر دخلها وتغيُّر استهلاكها.
ووصف المحلل الاقتصادي الدكتور سالم باعجاجة "حساب المواطن" بأنه "آلية ممتازة، تحل مشكلات هدر الدعم الحكومي، التي ظلت مستمرة طيلة سنوات مضت". مشيرًا إلى أن هذه الآلية ستضمن توجيه الدعم المناسب إلى مستحقيه فقط، وليس إلى سواهم. وقال: "على سبيل المثال، شمل الدعم الحكومي أسعار الوقود سنوات طويلة، وما زال، واستفاد منه مواطنون محدودو الدخل، بالقدر الذي استفاد منه ميسورو الحال من رجال الأعمال وموظفي الدولة المرموقين وظيفيًّا، وكانت أسعار المحروقات في السعودية الأقل مقارنة بأسعارها في دول منطقة الخليج والعديد من دول العالم؛ وشجع هذا الدعم على تهريب الوقود إلى دول خليجية مجاورة من قِبل مهربين، استفادوا بشكل كبير من هذا الدعم، وكان لا بد من إيجاد آلية تحد من هدر الدعم الحكومي، وتحديد بوصلته".
وأضاف: "كانت هناك أصوات تطالب بصرف الدعم لمستحقيه في صورة مبالغ نقدية، مع رفع الدعم عن المحروقات، وكانت الحكومة تدرس هذه الاقتراحات في مجلس الشورى، وفي العديد من اللقاءات والمؤتمرات، ولكن لم تتخذ فيها قرارات، إلى أن أعلنت قبل أيام "حساب المواطن"، الذي أرى أنه ترجمة نموذجية للحد من هدر الدعم الحكومي".
وقال: "برنامج حساب المواطن من شأنه أن يعزز ثقافة الادخار والترشيد، ويرسخها في المجتمع السعودي. هذه الثقافة كانت غائبة عن أكثر من 80 % من أفراد المجتمع السعودي، من مواطنين ومقيمين، رأوا أن الدعم الحكومي في الوقود والكهرباء - على سبيل المثال - يعفيهم من اتباع متطلبات الادخار والترشيد، ولكن مع الرفع التدريجي لمفردات الدعم الحكومي سيتجه الأغلبية إلى تطبيق برامج الترشيد والادخار، وتقليص النفقات والمصروفات اليومية".
وتابع باعجاجة: "ثقافة الترشيد والادخار كنا في حاجة لها منذ عقود مضت، لكنها لم تنتعش بما فيه الكفاية؛ ما أدى إلى هدر في الموارد". وقال: "ليس المعني بهذه الثقافة فئة محدودي الدخل فقط، وإنما الجميع. ولا ننسى أن هذه الثقافة تتماشى مع ما تنادي به شريعتنا الإسلامية السمحة، التي ترفض التبذير والإسراف في كل النِّعَم". وقال: "أرى أن هناك ارتياحًا شعبيًّا وجماهيريًّا لبرنامج (حساب المواطن)، الذي سيعيد توجيه الدعم إلى مستحقيه فقط".