في منازل "القديح" حكايات الألم مستمرة.. والإرهاب لم يفرِّق بين صغير وكبير
أم صلاح.. أم الشهداء الستة.. حكايات الفخر والفجيعة
محمد عطيف – سبق: إذا عَبَر السائر باتجاه الشمال الغربي من مدينة القطيف يمكن له - وعلى بُعد أقل من ميلين، ووسط أشجار النخيل - أن يلمح بلدة صغيرة حالمة. لا يمكن من خلال النظرة الأولى التوقع أنها كانت في مناسبتين في واجهة أحداث العالم. في حادثين بينهما ستة عشر عاماً، حفلت بالألم ومنظر القبور الجماعية ودموع شيعت قلوباً لا تنسى.
"القديح"، تلك البلدة الريفية التي يُضرب بأهلها المثل في الفزعة (يا عيال مضر) ما زالت تتماسك هذه الأيام من الفاجعة الأخيرة بعد حادث إرهابي دفعت ثمنه نفوس طاهرة، ولم يفرّق المجرم بين صغير وكبير.
- أم الشهداء..حكايات الفجيعة:
في دار ذوي الشهداء والمصابين حكايات أسى كثيرة، لكنها أيضاً لم تخلُ من فخر بالشهادة. من بينهم تقف أم صالح الغزوي أبرزهم. ولم يرحم تعطش وسائل الإعلام رغبتها في احتواء حزنها بعدما لُقبت بأم الشهداء الستة الذين تقاسمتهم حادثتا الموت الدمويتان، الأولى حريق الخيمة الشهير قبل 16 عاماً، الذي خلف أكثر من 70 حالة وفاة، والثانية انفجار إرهابي بمسجد الإمام علي قبل أيام، نتج منه استشهاد 21 شهيداً.
- أيتام جدد:
بإيمان عميق تروي أم الشهداء في تماسك عجيب كيف كبر أيتام حريق الخيمة؛ ليدلف إلى حجرها أيتام جدد هم أيتام انفجار الجامع القريب. أم صلاح بفؤاد مفطور تحصي أفئدتها الراحلة؛ فهي أم الشهيد يوسف الغزوي، وجدة الشهيد الشاب حسين محمد الغزوي، وجدة الطفل الشهيد علي الغزوي، ومربية أيتام ابنها الأكبر الذي استشهدت زوجته في حادث حريق القديح. فقدت أم صلاح اثنتين من بناتها وبنت ابنها في الحريق، ثم تناثر قلبها بفقدان ثلاثة أبناء في فاجعة مسجد الإمام علي الدموية الأخيرة. وكأنما أراد الله - عز وجل - ابتلاء صبرها أكثر؛ فهي أيضاً فجعت برحيل زوجها منذ سنتين ونصف السنة.
- سياط الأسئلة:
بين يديها مصطفى وزهراء يتيمان جديدان للشهيد الراحل يوسف.. تتأملهما وهي تتفادى أسئلتهما كالسياط عن والدهما الراحل. وهي تدرك أيضاً أنها على موعد مع الأيام الصعبة القادمة. تُرى، هل كان للظلاميين لحظة تفكر: ماذا فعلتم بالأبرياء..؟! لسان حالها: الحمد لله، وعند الله يلتقي الخصوم.
الراحلون من أبنائها في ركب الشهداء تركوا أحلاماً وردية كثيرة، وحياة توشك أن تحضر في الموعد، فتسأل عن الغائبين من الشهداء الذين كان بعضهم يتهيأ للانتقال لمسكن جديد، وآخر لمرحلة عمل مهمة.. غير أن المسار تغير إلى رحمة الله، إن شاء الله.
في بلدة كالقديح أيضاً لا تتوقف الحياة.. ما زال رجالها يقصدون جامعهم الحزين.. وسيبقى صيادوها يحتفون باللؤلؤ، ونخيلها كريماً كنفوس أهلها.. وستمر لياليها أيضاً لتغسل الأحزان، وتبقى لتترك الألم والإثم لمن زرعوا الشر.. ويبقى الوطن شامخاً.