تشهد المدارس في الآونة الأخيرة ازدياداً في سلوك العنف لدى الطلاب؛ فبعد أن كان العنف مقتصراً على المشاجرات بين المعلم والطالب أو تجاوزاتٍ لفظية بين الطلاب، تجاوز الأمر ذلك ودخل في نطاق سلوكٍ إجرامي يتمثّل في طعن أحد الزملاء زميله ثم يتطور الأمر الى مايسمى بالفزعه التي تزيد
من حجم المشكله .
ولعل من أسباب هذه المشكله مايلي : التراخي والتهاون في تطبيق اللوائح والأنظمة ضد مَن يقوم بهذه الأعمال سواءً مع زملائه الطلاب أو إذا تجاوز ذلك مع معلميه، فيدخل في الوجاهة والمحسوبية وتدخل العاطفة غير المبررة والتي تغرس في نفس الطالب عدم احترام أي أنظمة أو قوانين، ولابد من ضرورة إعداد المعلم نفسياً وتربوياً للتعامل مع مثل هذه السلوكيات بصورةٍ صحيحةٍ.
وقد تكلم في هذا الموضوع عدد من المختصين ومنهم من أفاد لـ "سبق" أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الملك سعود الدكتور سعود الضحيان، أن العنف ليس جديداً على المجتمع، مرجعا أسبابه إلى ثقافة المجتمع والعصبيات القبلية التي تؤجج سلوك العنف لدى الطالب وربما يتجه للاعتداء على مَن يعتدي عليه طالما أنه خارج قبيلته، كما أن الأسرة تدعم ثقافة رد العنف بالعنف، وتعتبره من الرجولة، ولفت إلى أن الطالب يعتبر الشكوى لمدير المدرسة نوعاً من الضعف يتنافى مع الرجولة.
وأنحى الضحيان باللائمة على الأسرة لغرسها ثقافة العنف، لافتاً إلى أنه عند استخدام الطالب السلاح في المدرسة، فهو يحاكي سلوك الرجال من وجهة نظره، محذراً من أن يتحول هذا السلوك من حالاتٍ فردية إلى ظاهرة بتكرار هذه النماذج، وبالتالي يصبح من الصعب على المدرسة السيطرة عليها وتحدث فوضى.
وشدّد أستاذ الخدمة الاجتماعية، على أن تفاقم أي ظاهرة اجتماعية ينتج من تجاهلها وتجاهل التعامل معها، لافتاً إلى أن الأب قد يدفع ابنه بطريقةٍ غير مباشرة للعنف، فيفكر في الحصول على سلاح للانتقام من زميله، نتيجة مفاهيم الرجولة الخاطئة التي زرعتها الأسرة في نفسه، وطالب المدرسة بضرورة التواصل مع الأب لمعرفة أسباب عنف الطالب، متهماً الأسرة والمجتمع بتحويل الطالب إلى "مشروع مجرم".
دور المدرسة
وأرجع أستاذ الإدارة التربوية في كلية التربية جامعة الطائف الدكتور خالد بن محمد العصيمي، أسباب العنف بين طلاب المدارس، إلى الشعور المتزايد بالإحباط لدى الطالب، وضعف الثقة بالنفس مع الاعتزاز بالشخصية، وقد يكون ذلك على حساب الغير والميل أحياناً إلى سلوك العنف، موضحاً أن الأسرة والمدرسة لم تستطيعا إشباع حاجات الطلاب، مما جعلهم يفقدون القدرة على مواجهة المشكلات ويميلون إلى الشللية.
وتطرّق العصيمي لدور رفاق المدرسة في النزعة إلى السيطرة على الغير وتشجيع بعضهم بعضا على العنف، لافتاً إلى أن الإخفاق في الدراسة والإحباط المستمر من المعلمين للطلاب المتعثرين دراسياً وممارسة العقاب على الطلاب دون تبرير، تولد نوعاً من العنف لدى الطالب لاعتقاده بكراهية المسئولين في المدرسة له، مشدّداً على شخصية مدير المدرسة وقدرته الإدارية والانسجام بينه وبين الجسم التعليمي ، حيث قال: عندما تكون شخصية المدير غير منسجمة وغير متوازنة، فقد تؤدي بالقطع إلى خللٍ في العملية التعليمية، ومن ثمّ إلى العنف المدرسي بين الطلاب أو ضد المعلمين.
تثقيف المجتمع
وأردف قائلاً: إن المدارس التي تتصف بجمال هندسي ومساحات خضراء وصالات رحبة تشهد عنفاً أقل من تلك التي لا تلبي هذه الشروط، كما تبين أن العنف يزداد مع ازدياد عدد الطلاب وكثافتهم، محذّراً من التقليد الأعمى للسلوك العدواني، والتشجيع من قِبل الزملاء أو البيئة المحيطة للطالب.
وأضاف أن هناك معلمين لا يتمتعون على الإطلاق بالمواصفات الضرورية التي يجب أن يتحلى بها المعلم، وبالتالي يعزّزون العنف عبر عجزهم عن التعليم وعن إدارة الصفوف، كما أن بعض هؤلاء لا يكترث لمصلحة الطلاب وينظر إليهم كوسائل وأدوات من أجل تحقيق مآربه.
وطالب العصيمي بوجود أخصائيين نفسيين واجتماعيين داخل المدارس، وتفعيل دورهم لتصحيح أي خللٍ سلوكي في حينه، مع ضرورة تثقيف المجتمع بالأضرار التي تسببها ظاهرة العنف المدرسي، إضافة إلى الجلسات العلاجية الفردية لتصحيح سلوك الطلاب العدواني نحو زملائهم حيث يوقعون بهم الأذى بصورة بدنية أو نفسية.
عقوبات محدّدة
وشدّد على أن أي كبحٍ فعّال للعنف المدرسي يجب أن يكون مرتبطاً بجانب التوعية والإرشاد وبسلسلة من العقوبات الواضحة والمحدّدة، تنتمي إلى مجموعة قراراتٍ وتعليماتٍ مترابطة يفرضها مجلس المدرسة، لافتاً إلى أهمية أن تنسجم العقوبة مع حجم الجرم حيث يتصدّى مدير المدرسة للأفعال الصغيرة وتُحال الأفعال الأقوى إلى مجلس المدرسة التأديبي، فيما تقع الأفعال الجسيمة مثل العنف الجسدي وحمل السلاح وابتزاز المال بالتهديد والمخدرات، تحت طائلة القانون الجزائي.
وحتى تصبح البيئة المدرسية آمنةً للطلاب اقترح أستاذ الإدارة التربوية والتخطيط إعداد الخطط المحكمة للمتابعة الدقيقة والمستمرة للطلاب داخل المدرسة، وتعزيز السلوك الإيجابي لديهم، مع توعية الطلاب بأهمية احترام حقوق الآخرين ومشاعرهم، وتبصيرهم بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وتعريفهم بالعقوبات التي سيقعون تحت طائلتها في حالة التجاوزات، فضلاً عن العقوبة الجنائية في حالة الجريمة.
العمل الجماعي
بدوره أبان رئيس الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية دكتور راشد بن حسين العبد الكريم، أن بيئة المدرسة القائمة على الترهيب والضبط الإجباري، والتي يفتقد فيها الطلاب مجالات للترويح عن أنفسهم قد تُسهم في إخفاء العنف وتغطيته وليس في إزالته، مؤكدا في الوقت ذاته أن جذور العنف تنبع من الأسرة والمجتمع. ودعا التربويين في المدرسة، لانتهاج أسلوب الرفق واللين في حل مشكلات الطلاب، وكذلك اعتماد طريقة الحوار للتواصل والتفاهم معهم، إضافة إلى التوعية بأساليب حل الخلافات والمشكلات، وتدريب الطلاب على المهارات اللازمة لذلك.
وأكّد العبد الكريم على دور الأنشطة التي تُنمي الحوار والعمل الجماعي وحل المشكلات بعيدا عن العنف، مطالباً مؤسسات المجتمع بالنظر إلى القضية كمشكلة اجتماعية منتشرة في مجالات كثيرة في المجتمع وليست مشكلة اجتماعية مقصورة على المدرسة فقط. وأوضح أن التربية عاملٌ مهمٌ في العلاج ونشر ثقافة الرفق.
مجلس الشورى المدرسي
أرجع مدير إدارة التوجيه والإرشاد بالطائف عبد الله الزهراني، العنف بين الطلاب في الكثير من القضايا للثقافة القبلية السائدة لدى بعض الطلاب، موضحا أن عنف الطلاب غالباً ما يكون جماعياً وليس فردياً، لأنهم يفتخرون بالقبيلة وثقافتها وأن عضوية الفرد ومكانته فيها بقدر محافظته على سمعتها وسمعة أفرادها. ولفت إلى أن العنف قد يظل في المدرسة أو يمتد إلى خارجها.
وحول البرامج التربوية الإرشادية التي تقدمها الوزارة لنبذ العنف، قال الزهراني لـ "سبق": هناك برامج إرشادية تشمل تعزيز القيم الدينية وفق المنهج النبوي الكريم، وكذلك غرس قيمة الانتماء للوطن، والمحافظة على ممتلكاته، كما أن هناك برامج لنبذ ثقافة العنف من خلال التعاميم الداعمة للبرامج وكذلك التنسيق مع جميع المشرفين لمتابعة تنفيذ البرامج عند زيارة المدارس، مشدّداً على أهمية تطبيق قواعد السلوك والمواظبة على الطالب الذي يتجاوز الأنظمة.
وتابع حديثه: إذا حدثت مشكلة جماعية بين طلاب المدرسة، فإن المدير يستدعي الشرطة ليتم إيقافهم في دور الملاحظة وتفادياً لاتساع رقعة المشكلة وتدخل أطراف أخرى حتى تسير القضية في مجراها الطبيعي، مؤكداً عدم عودة الطالب للمدرسة مرة أخري إلا إذا اكتملت الإجراءات النظامية من خلال لجنة القضايا وتقديم الخدمات التربوية والنفسية لاحتوائه.
وأوضح أنه في كثير من الأحيان تكون هذه القضايا ثورة شباب لم يتم احتواؤها في حينها وتنتهي.
ولفت إلى معاناة الطالب الحالية من فقدان الهوية بسبب البناء التقليدي للمدرسة وكذلك تداخل الثقافات والتقنية المتطورة، وقسوة بعض المعلمين وعدم وعيهم بطريقة التعامل مع الطلاب، مشدّداً على ضرورة احتواء الطالب ونصحه، ومعرفته لحقوقه وكيف يحصل عليها بطريقةٍ نظامية. وطالب بتكثيف دور مجلس الشورى الطلابي المدرسي وتفعيله، بحيث يسمح للطلاب بطرح حلولٍ لمشكلاتهم والأخذ بها. كما طالب باكتمال توجيه المعلمين قبل بداية العام الدراسي حتى لا يكون هناك فراغ فيلجأ الطلاب للعنف. وأكد على دور المرشد الطلابي المدرب على كيفية احتواء الطلاب بحيث يصبح لكل خمسين طالباً مرشدٌ طلابي .
تنمية ثقافة الحوار
فيما أكدت المستشارة التربوية الدكتورة وفاء طجة، على دور المربي في المنزل والمدرسة في غرس القيم باكراً ومنذ نعومة الأظفار، وتعزيز قيم الصبر والحلم والعفو والتفهم، رافضة القول إن المدرسة مناخٌ محرضٌ على العنف، وقالت: المدرسة بيئة تربوية يُفترض أن يشعر فيها الطلاب بالعدالة والتقبل والتفهم، وفيها القوانين والضوابط الحازمة التي لا تسمح بنمو العنف.
ووصفت المنهج المدرسي بأنه وسيلة قوية يمكن توظيفها لدعم التعلُّم السلمي وتنمية ثقافة الحوار والتواصل اللفظي للتعبير عن الرأي والانفعالات مقابل العنف، مبينة أن الطالب الذي يستخدم العنف في الغالب يحمي نفسه من شيءٍ ما أو ظلمٍ شعر به، وعادة نجده يفتقد من يستمع له ليعرف أسبابه.