ظاهرة سرقة السيارات .. المسؤولية تقع على الجهات الأمنية
الشباب يسرقون السيارات ويمارسون التفحيط فيها
يدرك الجميع دون شك أننا لسنا مجتمعاً ملائكياً يعم فيه الخير والأمان ومميزاً عن باقي مجتمعات الأرض. فمن الطبيعي أن يكون في أي مجتمع نسب ومعدلات للجرائم أياً كانت طبيعتها أو جسامتها وأياً كانت دوافعها وأسبابها. فالخير والشر في صراع أبدي إلى أن يرث الله - سبحانه- الأرض ومن عليها. ولكن من غير الطبيعي أن تستفحل ظاهرة إجرامية معينة دون بذل جهود لمكافحتها عن طريق التشخيص الدقيق لأسبابها ووضع حلول حاسمة منعاً لتكرارها أو على الأقل انتشارها، ومن هذه الظواهر التي تؤرّق المواطنين والمقيمين إيضاً ظاهرة سرقة السيارات سواء كانت السيارة بذاتها أو سرقة أحد قطع السيارة كجهاز التسجيل، الإطار الاحتياطي، أو موجودات داخل السيارة كحقيبة أو هاتف محمول وخلافه عن طريق كسر زجاج السيارة مثلاً. فما هي أسباب استفحال هذه الظاهرة، وكيف يمكن القضاء عليها أو على أسوأ تقدير التقليل منها ؟
في البدء عجبت من تصريح أحد كبار ضباط الأمن لأحد الصحف بقوله أن سرقة السيارات في مجتمعنا لم تصبح ظاهرة بعد وما يسجل من بلاغات عن سرقة السيارات لا تزال في الحدود الطبيعية للجريمة.
لذا وقبل معالجة أسباب هذه الظاهرة والبحث عن حلول لها، يجب الاتفاق أولاً هل نحن أمام ظاهرة حقيقية أم مجرد حوادث بسيطة لم تتجاوز بعد الخطوط الحمراء للجريمة؟ نقول أن أبسط تعريف لمفهوم الظاهرة يشير إلى الحدث الذي يطفو على السطح بشكل متكرر ويجعل الجميع يلحظه ويتواتر الناس والإعلام على التطرق له وتقره مؤشرات تستند على أرقام مؤكدة بحيث يخرج عن نطاق المألوف. واعتبار حدث ما ظاهرة أو لا غالباً ما تكون نسبية. ودون التوسع في التنظير نترجم هذا الكلام على قضية (سرقة السيارات) بمفهومه الواسع أي سرقة السيارة بذاتها أو أحد محتويات السيارة، ونتساءل كم مرة أجري تحقيق صحفي في جميع الصحف المحلية عن هذه القضايا وكم ورد من أخبار في صفحات المحليات عن هذه القضايا، الجواب بالتأكيد مرات عديدة خرج عن نطاق المألوف، ونزيد على ذلك بالتأكيد على أن كل واحد منا إما أن تعرض بنفسه لأحد هذه الحوادث أو قريب أو صديق أو جار أو على الأقل سمع أكثر من قصة حول ذلك. وبزيارة سريعة لأحد أقسام الشرطة نجد أن هذه الحوادث في تزايد وهذا بخلاف التي لم يبلغ عنها. إذاً نخلص بالقول أن سرقة السيارات بالمفهوم الذي شرحناه سابقاً تعد ظاهرة لا أقول في المملكة العربية السعودية حتى لا نذهب بعيداً بل هي ظاهرة ملموسة في مدينة الرياض. فما هي أسباب هذه الظاهرة؟
تعددت الأسباب حول انتشار هذه الظاهرة وتباين تأثير كل سبب، فمن الصعوبة اختزال الظاهرة في سبب واحد، ولكن يمكن القول أن من الأسباب الرئيسية للظاهرة هي البطالة والفراغ لدى الشباب وخاصة المراهقين منهم حيث أنهم هم الفئة الغالبة في ارتكاب هذه الجرائم، ومن الأسباب ضعف الوازع الديني والتربية وانعدام الرقابة الأسرية. والحلول لمعالجة هذه الأسباب تستمد من المسجد والمدرسة والمنزل ووسائل الإعلام وبعض الجهات الخكومية. وما يهمنا هنا طرح بعض الحلول التي يمكن معالجتها من قِبل الجهات الأمنية المعنية.
نلاحظ أن غالباً ما يحمِّل القائمون على الأمن المواطن بالتسبب في هذه الظاهرة تحت مبرر الإهمال بترك السيارة دائرة (في وضع التشغيل) أو ترك الأبواب أو نوافذ السيارة مفتوحة مما يغري ضعاف النفوس بسرقتها، ونقول نعم هذا سبب مهم في هذه الظاهرة ولكن ألا توجد أسباب أخرى لانتشارها يمكن تداركها ووضع الحلول لها، وأهمها أن ضعف الفعالية الأمنية في التعامل مع الظاهرة والتهاون في العقوبات الرادعة من الأسباب التي أدت لانتشار الظاهرة ولا يمكن إغفالها ، فما هي الحلول لذلك. يلاحظ أن هناك تساهلاً في بيع المسروقات ومما يدلل على ذلك رواج سوقها وإلا فكيف يمكن تصريفها أو بيعها. ونضرب مثلاً على ذلك سمعت قبل يومين عن شخص سرق الإطارات الأربع لسيارة فارهة وهي واقفة عند بيت صاحبها، فالسؤال أين ستذهب هذه الإطارات هل ستكون للاستعمال الشخصي بالطبع لا حيث ستجد طريقها حتماً للبيع في احد أماكن بيع قطع غيار السيارات المستعملة، فلو انعدم المشترون لها لما تمادى ضعاف النفوس في السرقة، لذا المطلوب مراقبة محلات بيع قطع غيار السيارات المستعملة والتأكد من هويات البائعين لها وتشديد العقوبات على المحلات المتهاونة في تطبيق ضوابط بيع وشراء قطع الغيار المستعملة. ومن الحلول محاسبة رجال الأمن المقصرين في أقسام الشرطة والمتقاعسين عن أداء مهامهم، فيا عجبي من عدم الاكتراث واللامبالة من بعض رجال الأمن القائمين على استقبال البلاغات والشكاوى، بل واللهجة المتعالية المتغطرسة من بعضهم ولا أقول الكل، فبعضهم يكاد ينسى طبيعة عمله والمهام الملقاة عليه في حفظ الأمن والتعامل مع كل البلاغات والشكاوى بكل جدية واحترافية مفترضة. والمسؤولية تقع في نظري على كبار الضباط في جهاز الأمن العام فهم المسؤولون على رقابة أعمال من هم أقل منهم في التدرج الوظيفي. ومن الحلول إيقاع العقوبات المشددة وخاصة على من اعتاد الإجرام ونشر العقوبات في الصحف تحقيقاً للردع، لإن من أدرك أن العقوبة ستكون يسيرة فلن يرتدع وسيتمادى، والغريب في الأمر أن هذه الظاهرة نشطت في الأشهر الأخيرة عند المساجد وخاصة في صلاة الجمعة، ومن خلال السرقة الجماعية لعدد من السيارات في أماكن متقاربة في الحي الواحد، ويثير الأمر الحيرة رغم الاستنفار الأمني الحالي على كافة الأصعدة للقضاء على الفئة الضالة مما يستدعي التعامل مع الموضوع بجدّية من القائمين على جهاز الأمن العام.
والحلول ممكنة بتضافر الجهود من الجميع، فالأمن كلٌ لا يتجزأ وهو نصف الحياة، فنريد أن نتغنى بأننا بلد الأمن والأمان قولاً وعملاً.
تقبلوا تحياتي
نجم تمير