من الذي قتل سعيد ه [frame="7 80"]أحس أن قاعدة صياغة أسم التفضيل من الفعل المنفي ومن الفعل المبني للمجهول فيها صعوبة ، وقرأ في عيون الطلاب تساؤلات توحي أنهم لم يستوعبوا هذه القاعدة من الدرس ، ولذا ترك الوسيلة وأخذ الطبشورة وقال :
ــ أعطوني انتباهاً أكثر .. ركزوا معي يا شباب . وكتب فعل ( أحترم ) وقال :
ــ ما الفعل المضارع من هذا الفعل ؟
سرت همهمات بين الطلاب (يحترم ) .. ( يحترم ) يا أستاذ! لم تعجبه الإجابات الجماعية ، فأوقف أحدهم وقال :
ــ ما المضارع من أحترم ، أجاب الطالب بسعادة : يحترم أجابه : أحسنت أحسنت
ثم قال : ما الفعل المبني للمجهول من هذا الفعل : أجاب الطالب بتردد : محترم
بدأ الاستياء على وجهه وقال :
ــ أنا لا اسأل عن أسم المفعول .. إنني أسأل عن بناء الفعل للمجهول ، لقد أخذتم هذا الدرس في الصف الخامس الابتدائي . فكر الطالب ملياً ، وسمع من زميله الذي بجانيه .. لن يحترم .. فأسرع قائلاً : لن يحترم ، ضرب المعلم الطاولة بقبضته ، وقد صعد الدم الحار إلى صدغيه وقال :
ــ أنا لا أسأل عن الحروف الناصبة للفعل المضارع .. ما بكم ؟
شغلوا رؤوسكم .. من يعرف المبني للمجهووووول ، ومد جرف الواو كثيراً لينفس ما بداخله من ضيق ! سرى صمت مشوب بكلمات مبهمة بين الطلاب : { احتراماً .. سيحترم محروم .. } ولما عرف أن الطلاب لن يتوصلوا إلى ذلك مسك الطبشورة وأخذ يشرح وقد زادت دقات قلبه ،/ وتصبب العرق من جبينه .. وما إن بدأ بالتوضيح حتى سرت لمسامعه حركة تبعها صوت ضحك ، فالتفت فوجد الطالب ( سعيد) يمسك زميله ( عمار) من شعرة ويضايقه فانقض عليهم غاضباً ورفع قبضته وكاد يضربه ، ولكنه أثر الصبر والسلامة وقال :
ــ اخرج وقف إلى جانب السبورة .. حقاً إنك قليل الإحساس ، أنا أحترق وأنت تلعب ببرودة .. انتبه وافهم هذا النقطة الدقيقة .. إن لم تفهمها فلن تفهم النقطة التي بعدها أي المصدر المؤول .
وقف سعيد جانب السبورة يقلب ناظريه في أصدقائة الطلاب ، وعلى وجهه علامات اللامبالاة ،وزفر المعلم زفرة طويلة ، ورجع إلى السبورة ، وأمسك بالطبشورة ، وما إن كتب يحترم وضبط حروفها باللون الأحمر حتى سمع صوت ضحك مرة أخرى ، وحانت منه التفاتة على سعيد فوجده وقد أخرج لسانه وقلب عينيه بحركات تثير الضحك وتصرف انتباه الطلاب ، فارتفعت يده في هذه المرة ولكنها لم تعد خائبة كسابقتها ، بل انقضت على ظهر سعيد ، فما كان من سعيد إلا أن صرخ متألماً ووضع يده أسفل صدره وأنحني يتلوى .. بلع المعلم ريقه وقال غاضباً :
ــ اذهب ، اجلس في مكانك واستح على نفسك . عجيب ، سعيد هذا ! لقد ذهب إلى طاولته وارتمى عليها ، وقد أسند رأسه على ساعديه وراح في سبات مثير للشكوك ! سرى صمت مطبق في الفصل سر له الأستاذ وراح يشرح الفعل المبني للمجهول والمصدر المؤول شرحاً مشوشاً وكان يسترق نظرات القلق على سعيد ..لقد ادعى مرة أنه مصاب بمرض القلب ، وجاء مرة باكياً لأن أباه قد مات بالسكتة القلبية وهو في منتصف عمرة ، بلع الأستاذ أيضاً ريقه الذي بدا ينتهي محصوله منه ، وقال في نفسه (( هل ستعملها يا سعيد على يدي .،. هل ستموت وتخرب بيتي ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. ما هذه المصيبة ؟ )) وهم أن يذهب ليرفع رأسه ، ولكنه أحجم وأمل هو أجسه مع نفسه قائلاً (( كل شيء سيتوضح في أولنه ، والله لن أبدي ضعفاً أما الطلاب ليتني أرسلته إلى الإدراة ولكن ..لا ..لا .. إن كل معلم يرسل طالباً إلى الإدراة ويشغلها به تتهمه بضعف الشخصية وضعف ضبط الفصل )) وفجأة طرق الفراش الباب قائلاً :
ــ المدير يدعوك إلى مراقبة الطلاب عند الباب الخارجي ..لقد حان وقت الانصراف يا أستاذ . شغل الأستاذ بخروج الطلاب من الباب الخارجي للمدرسة ، ونسي سعيداً وما جرى له ، ثم ركب سيارته وانطلق إلى البيت ،فبلغ منه التعب مبلغا ،وما إن أكل لقيمات حتى استلقى على السرير ،ووضع كفيه تحت رأسه ، وراح في سبات عميق مع هواء ( المكيف ) اللطيف الذي يهدهد وجهه ي، ولم يمض وقت طويل حتى وقف مذعوراً على رنين الهاتف :
ــ نعم .. من ، مدير المدرسة !! سآتي حالاً . وقام ولبس ثوبه على عجل وهو يقول
ــ يا لطيف .. يا لطيف !
وصل المدرسة فوجد رجلين من رجال الأمن ومدير المدرسة ووكيلها واقفين إلى جانب سيارة إسعاف .
جف ريق المعلم وأصبح لسانه كقطعة من الخشب من الصعب أن تدور في حلقه ، وعدا وجهه ليمونة صفراء فاقع لونها ، ولكنها لا تسر الناظرين ، فقد هرب الدم الأحمر من وجهه وأذنيه ، وأسرع المدير إليه وقال :
ــ هداك الله يا أستاذ .. ماذا عملت ؟ المهم امسك أعصابك ، إنهم ينتظرونك ..لقد قلت في محضر الضبط إن الطالب كان مريضاً وأن حادث الوفاة قضاء وقدر ! أتى الضابط وأمسك بذراع الأستاذ عبد المحسن ليدخله إلى سيارة الأمن ، وإذ به يفتح عينيه ليجد نفسه في سريرة في غرفة نومة والهاتف يرن ــ حقيقة هذه المرة ــ وصوت المؤذن يصدح لصلاة العصر ،أمسك بسماعة الهاتف بيد مرتعشة وتسمع :
ــ أستاذ عبد المحسن ، معك ابنك سعيد .. لقد تندمت عما بدر مني في الفسل اليوم وإنني أعتذر منك يا أستاذ جلس على رف السرير ، وشعر بسرور لم يشعر به في حياته حين عرف أن ذلك كان حلماً مزعجاً وأخذ لسانه يلهج :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وقد استقرت في ذهنهم هذه الجملة (لا تغضب لا تغضب لا تغضب.. [/frame]