[align=center]الأعمال الخيرية في الغرب أكثر.. لماذا؟
المال وسيلة وليس غاية
عبدالله الجعيثن
المال عند العقلاء وكرماء النفوس وسيلة لحفظ الكرامة وتحسين مستوى الحياة وعمل الخير، وليس غاية تشخص لها الأبصار ويُستَعءبَدُ بها الإنسان فيظل همه كنز المال والركض وراء المزيد بالحق والباطل والحلال والحرام حتى يسقط في حفرة السكتة القلبية وقد ترك ماله لزوج زوجته القادم أو أزواج بناته وزوجات أبنائه..
فما نال من ماله غير التعب والنصب، والشقاء والقلق، والسمعة السيئة، وعبادة المال. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"تَعِسَ عبد الدرهم..
تَعِسَ عبد الدينار..
تَعِسَ وانتكس".
والذي يجعل المال غاية لذاته وليس وسيلة لتحقيق السعادة وعمل الخيرات هو من عبيد الدرهم والدينار، في رق أبدي من أغلال المال وكأن ماله قد صار حيَّة رقطاء تلف حول رقبته وهو يظن أنه يحسن صنيعاً.
فما جنى من المال غير الإثم والقلق والهم والهواجس والأرق، فالذي يجعل المال غاية الغايات لا يعود يفرق بين حلال أو حرام ولا يحب الإنفاق فيده مغلولة إلى عنقه رغبة في تكثير ماله وتثميره ومضاعفته أضعافاً، بينما عمره ينقص والموت يقترب منه فيترك ماله الذي أشقاه ومرضه لوراثه يأكلونه حلالاً ويضربون فيه ضرب ولي السوء في مال الأيتام وعليه هو وزره وحسابه غير ماناله في دنياه من قلق وأرق وتعب وركض بالليل والنهار وبخل في الانفاق وسوء سمعة وبعد عن المراجل والمكارم..
إن المال وسيلة لتحقيق الحياة الكريمة، وينبغي أن يكسب بطريقة حلال وكريمة ليرتاح ضمير صاحبه ويكون ماله كالماء العذب الزلال وليس كالمياه العكرة التي تزبد حين تفيض الأنهار حاملة معها الغثاء والطين والحيوانات الغرقى.
@@@
السعادة والمال
وقصة الإنسان مع المال عجيبة، فهو يريده وسيلة لسعادته ويسعى إليه على هذا الأساس ولكنه لا يكاد يملأ يديه منه حتى ينسى الأساس الذي انطلق منه وينسى أنه يريده وسيلة فيصبح المال لديه غاية.. يركض له بالليل والنهار وربما بالحلال والحرام وربما لا يفيق من ركضه حتى يسقط بالسكتة القلبية ولا تقف قدماه عن الركض إلا لتعثر بالقبر..
إن المال من وسائل السعادة بلا جدال، فالفقر كالح كريه قد تعوذ منه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقرنه بالكفر، ولكن المشكلة مع المال تتجسد حين يستعبد الإنسان فيشقى في سبيل طلبه ويشقى خوفاً عليه وكأنه العاشق الذي تسخن عينه إذا فارق أحبابه شوقاً إليهم، وتسخن عينه إذا اجتمع بهم خوف الفراق، وللمال أكثر من عشاق له عُبَّاد يهيمون به ويتيهون في أوديته وصدق المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام حين قال: (تَعِس عبدالدرهم، تَعِس عبد الدينار).
وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال:
"لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على مَنء تاب".
إن المال خضرٌ حلو إذا أخذ من حله وإذا أنفق في حقه كما ورد في الحديث الشريف، فنعم المال الصالح للعبد الصالح، وإذن فإن السعادة بالمال يلزم لها شرطان:
1- أن يكون المال صالحاً، أي حلالاً مكسوباً من حقه وهذا يعني أن صاحبه قد عمل وسعى في الأرض وأنتج وأنجز ونفع عباد الله وذاق حلاوة الإنتاج والإتقان قبل أن يذوق حلاوة المال، وحلاوة الإنجاز ألذ من حلاوة المال.
2- أن يكون صاحب المال صالحاً لا يطغى ولا يغتر ولا ينفق المال في فساد فإنه إذا أنفقه في فساد كانت تلك نهاية سعادته وكان ماله وبالاً عليه.
واللورد بيفر بروك يقدم لنا - وهو أحد رجال المال المعدودين - تجربته حول المال.. وهي تجربة في غاية الروعة.
يقول: "المال.. إن لهذه الكلمة رنيناً سحرياً، وهي تلوح أمام الخيال بمفاتيح السعادة وبالفراديس الخلابة وكأنها مصباح علاء الدين قد أتي به إلى أرض الحقيقة".
هذا في الخيال، أمَّا في الواقع فإن المال لا يحمل معه إلا صفتين لهما قيمتهما:
الأولى: الخلق الذي به نكسب المال من العزم والتركيز والصبر وضبط النفس والاقتصاد والكد.. هذه الصفات تصبح جزءاً من شخصيته الذي كسب كثيراً بجده واجتهاده وهي مكسب عظيم له أهم من المال بحد ذاته وهي التي تسعده..
والثانية: أن قوة استخدام المال، أو حتى مجرد وجوده بكثرة، تمنحنا الكثير من الأمان وتجعلنا أسياداً على الظروف المحيطة بنا، ولكن هذه الصفة لا تتحقق إلا في الناضجين الذين دربهم اكتساب المال على الصفات القوية التي ذكرناها آنفاً.
لقد جمعت من المال الكثير ولكنني رأيت من واقع التجربة أن الاستمرار في هذه اللعبة، لعبة جمع المال، خطيرة وليس لها نهاية وتبلع العمر والسعادة، لذلك غيّرت عملي واتجاهي إلى عمل آخر أهواه في مجال النشر لا يدر مالاً كثيراً ولكنه يحقق لي السعادة وخدمة المجتمع، وإنني أنصح كل رجل أعمال جمع من المال ما يكفيه جداً أن يكف عن لعبة المال ويتقاعد مبكراً ليستمتع بما حقق ويشرع في عمل محبوب فيه خدمة للمجتمع وإمتاع للوقت..
إن صاحب المال الذي جربه وامتلك الكثير منه لا يعني إلا القليل بأن يخلّف لورثته ثروة كبيرة، لأنه يعلم أنهم يكونون رجالاً أفضل إذا نزلوا إلى الميدان مجردين من الثروة ولا يملكون إلا العقل والأخلاق، إن الثروة بلا مجهود كثيراً ما تصبح لعنة لا نعمة، وشقاء لا سعادة، حيث يشبع بها الرجال أجسادهم برفاهية وخمول وعقولهم بتفاهة وفراغ ويبتسرون الشباب الوضيء حتى الممات".
أثرياء الغرب وأثرياؤنا
ومما يؤسف له أن كثيراً من أثرياء الغرب - مع أنهم غير مسلمين - يتبرعون بمبالغ طائلة - بل بثروات هائلة - لأعمال الخير في بلدانهم وفي العالم كله، فقد نقلت وكالة (رويتر) أن (وارين يافيث) ثاني أغنى رجل في العالم - وهو أمريكي - قد تبرع بخمسة وثمانين في المئة من ثروته لأعمال الخير في بلده وحول العالم، فقد تبرع بأكثر من سبعة وثلاثين مليار دولار (ما يقارب 140مليار ريال) لمؤسسة غيتس الخيرية، التي أنشأها (بيل غيتس) وتبرع لها هو الآخر بمبلغ يقارب الثلاثين مليار دولار ليصل حجم هذه المؤسسة الخيرية إلى أكثر من ستين مليار ريال وهو مبلغ يفوق الناتج الوطني لدول نامية كاملة، وحسب (رويتر) فقد خصص هذا المبلغ الضخم لمكافحة المرض وتقليص الفقر وتحسين التعليم والتدريب لفقراء أمريكا والعالم.
قلت وأثرياء المسلمين أولى بهذا.. وهم كثيرون وفيهم خير كثير والحمد لله.. والإسلام الحنيف يحض على عمل الخير والبر والسخاء بأعمال لصالح المسلمين خاصة والمحتاجين عامة (وفي كل كبد رطبة أجر..)
إن بيل غيتس هو الاخر ركز أكثر على إدارة مؤسسته الخيرية العملاقة بعد أن بنى أكبر شركة في العالم تقريباً "ميكروسفت" وحسب رويتر فإنه قرر أن يخصص معظم وقته - فضلاً عن معظم ثروته - لأعمال الخير.
قلت: إن المال حين يصبح وسيلة للسعادة والخير ينشر البهجة في قلب صاحبه وينشر الرضا والسلام الاجتماعي ويسعد قلوب الملايين، وأخصر طريق للسعادة وهو شكر الله على نعمه بأداء حقها ونفع الناس ورؤيتهم سعداء فإن إسعاد الآخرين يسعد النفس. أما حجب المال وكنزه واعتباره غاية الغايات فهو طريق الخوف والقلق والشقاء.[/align]