مع قرب إعلان الميزانية الأضخم للسعودية.. "سبق" تفتح ملف أزمة تنتظر الحل
المواطنون يتساءلون: شابَ الشَّعْر وانحنى الظَّهْر ولم نستطع شراء مساكن حتى الآن؟
-* وزير الإسكان: نسعى لتوفير الإسكان الملائم لجميع السكان والتقريب بين المتطلبات والموارد المتاحة للوصول إلى سياسات إسكان موحَّدة
-* الجريسي: المشكلة الإسكانية ستظل تتفاعل حتى تلتقي الوزارات وإمارات المناطق والعقاريون والمصارف لوضع حلول مناسبة
-* السعيدان: سوق العقار تعاني الفوضى.. وفرض رسوم على الأراضي البيضاء سيُحمِّل المواطن أعباء مالية أكبر
-* المطوِّر العقاري ابن بخيت: لا نفتعل أزمة السكن.. لكن مواد البناء ارتفعت وأجور العمالة والمقاولين زادت والطلب مرتفع
-* الدكتور فادي العجاجي: تكاليف السكن في السعودية ارتفعت خلال ثلاث سنوات إلى ثلاثة أضعافها عالمياً
-* مستشار عقاري: شريحة كبيرة من المواطنين في حاجة إلى توافر سكن ولو بخصم الراتب
-* خبير عقاري: كيف يُسمح بتملك "هوامير" العقار أراضي بعشرات الآلاف من الأمتار ويُحرم المواطن من مسكن صغير؟
شقران الرشيدي- سبق- الرياض:* أصبح إيجاد مسكن مناسب لكثير من فئات المجتمع، خاصة الشباب والنساء العاملات والأُسر الصغيرة وذوي الدخل المحدود، أحد الهموم الكبيرة التي يعانيها الشارع السعودي؛ فأسعار الأراضي والمنازل والشقق السكنية مرتفعة بشكل مبالَغ فيه في مختلف مدن ومناطق السعودية؛ ما ينذر بتفاقم المشكلة في بُعديها الاقتصادي والاجتماعي ما لم تواجَه من وزارة الإسكان والهيئة العامة للإسكان ومجلس الشورى والغرفة التجارية الصناعية، بوضع الحلول المناسبة والسريعة لها؛ كي يتمكن المواطن من الحصول على سكن مناسب وفق حدود دخله واختياراته.
"سبق" فتحت ملف أزمة السكن في السعودية، وطرحت الأسئلة الملحَّة على عدد من أطرافها؛ لسماع وجهات نظرهم المختلفة.
حظي قطاع الإسكان في السعودية باهتمام لافت من قِبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – حفظه الله -، تمثل في صدور عدد من القرارات الملكية العام الماضي، منها اعتمادات بـ250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية في مختلف المناطق، إضافة إلى رفع سقف القرض المقدَّم من الصندوق العقاري إلى 500 ألف ريال، وتحويل الهيئة العامة للإسكان إلى وزارة، إضافة إلى مبادرات المشاريع الخيرية؛ في مسعى لتوفير السكن الملائم للمواطن.
وعلى الرغم من تلك المبادرات والجهود الرسمية لا يزال واقع الإسكان يعتريه الكثير من السلبيات المتراكمة، التي من أبرزها - وفق إحصاءات حديثة - وجود أكثر من 60 % من السعوديين لا يملكون منازل خاصة بهم، والحاجة إلى نحو 100 ألف وحدة سكنية سنوياً متوسطة التكلفة حتى عام 2015م، كما يؤكد تقرير "الأهلي كابيتال".
وفي هذا الشأن يرى المستشار الاقتصادي الدكتور فادي العجاجي أن مؤشرات مجموعة السكن وتوابعها في السعودية ارتفعت خلال الفترة من 2007م إلى 2011م بنسبة 7،9%، وهي تفوق ثلاثة أضعافها عالمياً.
وإن كانت الإحصاءات والدراسات والمؤشرات تؤكد وجود مؤشرات حقيقية لأزمة إسكانية فماذا يقول المواطنون عنها؟.. عبد الله الشايع يقول: "هذه أزمة مفتعلة من التجار، ونشكر (سبق) على طرحها؛ فقد شابَ الشَّعْر، وانحنى الظَّهْر، وحتى الآن لم أمتلك منزلاً؛ فالراتب 5000 ريال، والفلل وصلت أسعارها إلى أكثر من مليون".
*ويضيف الشايع "أسعار الأراضي مرتفعة، ومواد البناء غالية، والمخططات محتكرَة، والبيروقراطية الحكومية مستمرة في توزيع المنح؛ فكيف نجد مسكناً؟". ومن جانبه يقول محفوظ الشراري: "يئست من انتظار خفض الأسعار، فحتى الشقق تجاوز سعرها نصف مليون ريال!". ويتساءل الشراري "هل لا بد من التضحية والعيش بتقشف حتى يتحقق حلم العمر؟".
ويقول سعود المطيري: "وصلت طوابير الانتظار في الصندوق العقاري إلى أكثر من مليونَيْ متقدِّم، في حين يملك كبار العقاريين الأراضي الشاسعة، ويتحكمون بها. نحتاج إلى تدخل ولاة الأمر؛ لأنه لا يمكن السكوت على هذا الأمر طويلاً".
وفي السياق ذاته يقول مشعل الحقباني: "توجد أيادٍ خفية تلعب في العقار، والتراب أصبح أغلى من الذهب!".
وتطالب أم شدن بتدخل وزارة الإسكان؛ لتوفير المسكن الاقتصادي بأسعار مناسبة، خاصة لمن رواتبهم أقل من 10000 آلاف ريال.
وفي ظل هذه التساؤلات المطروحة توجهت "سبق" لرئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، عبد الرحمن الجريسي؛ لاستطلاع رأيه في أسباب حدوث أزمة إسكان في بلد مترامي الأطراف وذي اقتصاد قوي.. فقال: "أشكر صحيفة (سبق) على اهتمامها بكل ما يهم المواطنين. لكن مجتمعنا شاب؛ فالشباب يمثلون 70%؛ وبالتالي لهم تطلعات لشراء مساكن، والدولة ما قصرت في دعم هذا القطاع". وحول دور الغرف، ممثلة بلجانها العقارية، في الحَدّ من تجاوزات التجار الذين يحتكرون الأراضي السكنية، والدخول في مضاربات عقارية بمبالغ خيالية، قال الجريسي: "تظل المشكلة تحتاج إلى التقاء العديد من القطاعات الحكومية كالوزارات المعنية وإمارات المناطق والعقاريين والقطاع الخاص والمصارف؛ لوضع حلول مناسبة لهذا الأمر، الذي يؤثر في المجتمع".
وتحدثت "سبق" مع المستشار العقاري الدكتور علي المحمدي، الذي قال: "شريحة كبيرة من المواطنين في حاجة إلى توافر سكن، ولو كان بخصم الراتب". ومن جانبه تساءل الخبير العقاري فهيد الفهيد لـ"سبق": "كيف يمتلك هوامير العقار الأراضي بعشرات الآلاف من الأمتار ويُحرم المواطن من مسكن صغير؟".
لكن ماذا يقول ملاك الأراضي والمطورون العقارون؟.. "سبق" التقت أحد عائلة السعيدان العقارية المعروفة الدكتور بدر السعيدان، الذي قال: "سوق العقار تعاني الفوضى، لا تعرف فيها معلومة صحيحة؛ لذلك فرض الرسوم على الأراضي البيضاء وحده سيؤدي إلى الانخفاض، ويمثل حرف (J) الإنجليزي، ينخفض قليلاً ثم يعاود الارتفاع؛ وبالتالي ستكون إضافة مالية يتحملها المواطن". ويضيف الدكتور السعيدان: فرض الرسوم سيؤدي إلى زيادة أسعار العقار، والحل في وضع أنظمة متكاملة للمنظومة العقارية، وتوسع الدولة في المنح بعيداً عن المدن الكبرى.
ومن جانبه رفض المطوِّر العقاري ابن بخيت فكرة افتعال العقاريين هذه الأزمة، وقال: "أزمة السكن حديثة، وليست من التجار". وأشار إلى أن أسبابها تعود إلى غلاء مواد البناء، وارتفاع أجور العمالة، وكثرة الطلب على الفلل.
وقد توجَّهت "سبق" إلى وزارة الإسكان؛ للسؤال عن دورها في توفير مشاريع إسكان للمواطنين بأقل التكاليف المتحمَّلة، لكن لم تكن هناك إجابة مقنعة من الوزارة. وجاء في كلمة لوزير الإسكان الدكتور شويش الضويحي: "إن تحديد الأسس والضوابط في قطاع الإسكان يأتي ضمن خطة إعداد الاستراتيجية الوطنية للإسكان". وبين الضويحي أن الاستراتيجية تهدف إلى تحديد مجموعة من الخطط والوسائل والإجراءات الموصَى بها؛ لتوفير الإسكان الملائم لجميع السكان، والتقريب بين المتطلبات والموارد المتاحة؛ للوصول إلى سياسات إسكان موحّدة ومتكاملة وشاملة. وهذه الكلمة ألقاها ضمن فعاليات ورشة العمل الرابعة من الاستراتيجية الوطنية للإسكان، التي نظمتها وزارة الإسكان، وحضرتها "سبق" يوم الأحد 22 محرم الجاري.
الجدير بالذكر أن مجلس الشورى قد أجَّل مؤخراً توصية تقدَّم بها العضو محمد القويحص بصرف بدل سكن يعادل ثلاثة رواتب لموظفي الدولة، وقيل إن سبب التأجيل هو أن الاقتراح ضعيف، ويحتاج إلى مزيد من الدراسات، وأن ذوي الرواتب الضعيفة لن يستفيدوا مثل أصحاب الرواتب العالية.
تجدر الإشارة إلى أن عدداً من خبراء العقار طرحوا بعض الحلول، التي يرون أنها ستُسهم في حل مشكلة الإسكان، كإيجاد شراكة بين الصناديق الحكومية والمطورين العقاريين والبنوك؛ للحَدّ من التعقيدات البيروقراطية، وخفض الأسعار، وتسهيل الرهون، ومنح أراضٍ جديدة في المدن والقرى لذوي الدخل المحدود، وإقرار الرهن العقاري والإيجار المنتهي بالتملك، وقيام وزارة الإسكان ببناء مساكن وتمليكها المواطنين بأقساط شهرية، ومعالجة إشكاليات الأراضي البيضاء في المدن.