حينما يعرض عليك أمر من أمور الدنيا,
هل تقارن نفسك بمن هو أفضل منك أو بمن هو أقل منك؟
وأجب عن السؤال نفسه حينما يعرض عليك أمر من أمور الدين
والآن دعونا نقرأ هذه الكلمات العجيبة التي تكاد تقرر قاعدة للكثير
إلا من رحم ربي :
الغريب أن العبد إذا نظر في دنياه, نظر إلى من هو فوقه, لكنه
إذا نظر في دينه, نظر إلى من هو أسفل منه ..
فتجده يقول: نحن أفضل من غيرنا .. لكنه لا يقول ذلك في دنياه !!!
هلا أعدتم قراءة الجملة السابقة بتركيز حتى نحللها ونميز أبعادها والنتائج
المترتبة عليها ..
من المعروف بأن مقارنة الحال بالأفضل, تولد في النفس البشرية
حبا ورغبة وشغفا بحيث تتوق النفس إلى تبوّء ما وصل إليه الآخرون
من الشرف والسمو والرفعة ..
أما مقارنة الحال بالدون, تجعلك قانعا راضيا بحالك ..
وبعد هذا العرض البسيط لتلك الفكرة :
أيهما أحق بالمقارنة بالأفضل؟
دينك أم دنياك؟
أخي الكريم .. أختي الكريمة :
حينما تقارن نفسك بمن هو أفضل منك حالا ( في الدنيا ), سوف تلهث
وتسعى وتتعب جسدك جريا وطلبا لمتاع زائل ..
وقد يترتب على ذلك شعور بالتذمر والسخط وعدم الرضا بما قسم الله ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على
من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم )) ..
وصدق القائل :
من عجيب شأن الحياة أن يطلبها الناس بما تقتلهم به ..
في حين لو قارنت نفسك بمن هو أقل منك حالا ( في الدنيا )
سيكون ذلك مدعاة لحمد الله وشكره والرضا والقناعة ..
روى أن الفضيل كانت له بنت صغيرة فمرض كفها فسألها يوما:
يا بنية, كيف حال كفك؟ فقالت: يا أبت بخير, والله لئن كان الله تعالى
ابتلى مني قليلا فلقد عافى الله مني كثيرا, ابتلى كفي وعافى سائر بدني,
فله الحمد على ذلك ..
والآن دعونا نلقي الضوء على الجانب الآخر الذي يستحق منا أكبر عناية
واهتمام ..
حينما تقارن نفسك بمن هو أقل منك ( في الدين ) قد يثبط ذلك من همتك
وعزيمتك وتطمئن نفسك على حالها وقد ترضى بجوانب تقصيرها
حينما تعلم بأن هناك من هو أكثر منها تقصيرا ..
بينما الأولى والأجدر حينما ننظر للدين أن تكون المقارنة بمن هو أفضل
حتى تشحذ عزيمتك وتتقد همتك وتشمر ساعديك في مجال الطاعات
سعيا وطلبا لما هو خير وأبقى ..
وهذا - والله - هو مجال المقارنة وميدان التنافس الحقيقي ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أكرمكم عند الله أتقاكم )) ..
يضع الرسول الكريم قاعدة جلية بين من خلالها بأن المفاضلة والتنافس
إنما يكون في التقوى ..
وقد أحسن القائل حين قال :
صاحب الهمة العالية والنفس الشريفة لا يرضى بالأشياء الدنية الفانية,
إنما همته المسابقة إلى الدرجات الباقية الذاكية التي لا تفنى ..
وإن قيمة الإنسان ما يطلب, فمن طلب الدنيا فلا أدنى منه .
فإن الدنيا دنية, وأدنى منها من يطلبها ..
وقال مصطفى السباعي:
النفوس العالية ترى التعلق بمال الدنيا وزينتها
امتهانا لها لا تقبله, والنفوس الدنيئة ترى جمع المال والحرص على الجاه
علوا لا تتخلى عنه, ما أكثر من يدعون علو النفس
وهم يتصفون بصفات الأدنياء !
وقبل أن أختم موضوعي هذا, أضع بين أيديكم هذه الآيات الكريمات :
قال تعالى:
( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) الشورى:20
وقال تعالى:
( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) الأعلى:16-17
وقال تعالى:
(ٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) النساء:77
وقال تعالى:
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) الحديد:20)
من اختياري