هي حكاية الرجل الذي كان ينادي زوجته بـ ( أم ريال ) وأحياناً ( علبة البيبسي ) :
تتلخص حكاية ( أم ريال ) كالتالي :
( ريم ) التي تتحدث الحكاية عنها ، هي فتاة تقدم للزواج منها رجل إسمه ( سعود ) ، إمتنع والدها عن تزويجها له إلا بمهر رمزي وقدره ( ريال ) ، وكان ذلك بقصد أنه لا يبيع ابنته بالمغالاة في طلب مهرٍ مرتفع ، ولكن يختار لها الرجل الصالح .
ولكن هذا الأمر ، كان محل مزاح ثقيل من سعود لزوجته ، حيث كان يكنيها بإسم ( أم ريال ) ويناديها به في كل الأوقات !
حتى وصل به ثقل مزاحه إلى أنه قال لها :
( دفعت بك ريال ، كقيمة علبة مشروب الببسي ) !
مما أثر في نفسيتها ، وأصابها بالشعور بالإهانة لما يفعله زوجها ، وظهر ذلك التأثر أمام والدتها التي استنطقتها حتى عرفت منها سبب التأثر ، فأخبرت والدها ليرد لها كرامتها المهانة !
الوالد ، أراد أن يلقن سعود درسا ، وأن يثأر لما يحدث لإبنته ، فاستبقى الإبنة في بيته ، ورفض عودتها لزوجها . فلما جاء الزوج ليسترد زوجته ، أظهر الوالد موافقته ، ولكنه طلب منه أن يستدعي كل رجال عائلته ، وقام بتقديم واجب الضيافة لهم علب من شراب ( الببسي ) .
فلما تحدث ( سعود ) عن إرجاع زوجته ، اشترط الوالد عليه نظير ذلك ، دفع مبلغاً كبيراً وقدره ( ثلاثمئة ألف ريال ) ، يرجع للفتاة قيمتها أمامه !
جمع الرجال المبلغ ، ودفعوه لـ ( سعود ) إعانة له .
هذه الحادثة – إن صدقت روايتها – تدل على قضية اجتماعية خطيرة جداً ، بدأت تنشب مخالبها في مجتمعنا للأسف الشديد ..
وهي قضية .. التفاخر في المهور .
ومنشأ هذه القضية في رأيي يعود إلى أسباب متعددة ، ليس هذا مجال الإستطراد في ذكرها
ولكن يهمني منها هو ..
السؤال الذي يدور بين الناس حال سماعهم بزواج إحدى الفتيات :
كم أعطاك ِ مهرا ؟
لو اختفى طرح هذا السؤال من مجالسنا ، لما حدثت هذه المشكلة .
واختفاؤها يتم ببساطة ، لو اتفقت الفتيات الصالحات من جيل الوعي و الصحوة ، على رفض الرد على هذا السؤال .
يكفي أن تجيب على من يطرح عليها مثل ذلك السؤال ، قائلة :
ما أمهرني زوجي هو أمر خاص بنا ، لا ينبغي لي أن أتحدث عنه ..
عندما نتأمل هذه الواقعة، لنعرف أين وجه الخطأ في أحداثها ، ومن هو المخطئ فيها ..سنجد أن الأطراف الثلاثة ( الزوج – الفتاة – الأب ) ا! لذين ورد ذكرهم ، قد ارتكبوا أخطاءاً .. ولكنهم يتفاوتون في درجة الخطأ ..
أولاً : الزوج ( سعود ) :
عندما نصف رجلاً ما بأنه رجل صالح ، وملتزم ، وذو سمت طيب ، فهذا لا يعني خلوه من صفات خلقية قد تخفى عن الفتاة قبل زواجها منه ، وكذلك تخفى عن الأب عند سؤاله عنه ..
فهنا الرجل – رغم اتصافه بالصلاح – إلا أنه يحب المزاح ، ولا يهتم بوضع حدود لمزاحه ، أو التفريق بين الأطراف الذين يمزح معهم .
مزاح الرجل مع صديقه الرجل ، يختلف عن مزاحه مع زوجته ( المرأة ) .
هنا ، يجب عليه أن يضع تقديراً للإختلاف الجذري في التكوين الوجداني ، والنفسي ، والعاطفي بين الرجل والمرأة .
فمزحة ما ، قد تضحك رجلاً ، لكنها بالمقابل قد تبكي إمراة .
وكذلك ، مزاحنا مع من هم في مستوانا العمري ، والمكانة الإجتماعية و الأسرية – كالإخوة وأبناء العمومة وأبناء الأخوال ونحو ذلك – يختلف عن مزاحنا مع والدينا ، وأعمامنا وأخوالنا ، وغيرهم من كبار السن .
وهذا الأمر افتقده ( سعود) في غلظة مزحته مع زوجته .
وتجاهل إحترام مشاعرها الأنثوية ، وفطرة المرأة الطبيع! ية ، التي تحب أن تكون ذات حظوة لدى زوجها ، وأن تتعرف على هذه المكانة والحظوة بالكلمات التي يرددها على مسامعها بين الحين والآخر ، كأن يقول لها :
( أنت أغلى ما حزت عليه في الدنيا ) ، ( أنت أثمن نساء الأرض عندي ) ، ( مكانتك لا تقدر بكنوز الدنيا ) ... إلخ
ونحو ذلك من عبارات تطرب الزوجة ، وتشعرها بالإطمئنان والأمان ، وتضفي على حياتها الزوجية السعادة والهناء .
وأعتقد أن هذا مراد الزوج ، وسيكون في صالحه .
لذلك . كان خطأ ( سعود ) هو .. المزاح الثقيل في غير محله ، وجهله بأسلوب التعامل مع الزوجة ، وتحسس ما تحب ولا تحب سماعه من زوجها .
وجهله كذلك بطبيعة المرأة الأنثى وخصائصها التي تحتلف فيها عنه كرجل .
ثانياً : الزوجة :
يجب على كل فتاة أن تدرك أنها متى ما غادرت حجرتها في بيت أهلها ، فقد دخلت بيتها هي بكل حجراته !
وهذا يعني أنها بعد أن تصبح زوجة ، ومالكة لهذه المملكة ( البيت ) ، وجب عليها أن تشيّد حصون عالية ، تمنع أي! أعاصر وعواصف تقتلع أسوار هذه المملكة .
ويجب عليها بالدرجة الأولى ، أن تتاكد من عدم اقتحام أحد – أي كانت درجة قرابته لها – حدود هذه المملكة ، إلا بإذن ولي أمرها ( الزوج ) .
وتقيم أسواراً تحيط ببيتها ، وتسد كل منفذ قد يطلع الآخرون منها على ستر ما يحدث فيه .
لذلك ، نجد أن الزوجة هنا ، قد ارتكبت أخطاءاً متعددة أوجزها كالتالي :
1- لم تحتفظ بما يجري بينها وبين زوجها من مواقف ، وأخبرت أمها التي سارعت بإخبار الأب .
وهذا يعني أن أطرافاً دخلت في مشكلة حدثت بين الزوجين ، وهذا بطبيعة الحال يساعد على تدخلهم في حلها ..
وهذا أمر يجعل من المشاكل الأسرية تتفاقم ويصعب حلها في غالب الأحوال ، خاصة مع المشكلات اليومية البسيطة التي من هذا النوع .
عندما يحدث موقف ما بين المرأة وزوجها ، وتنتج عنه حالة نفسية وانفعالية سيئة ، هنا يجب على الزوجة ألا تشعرأمها بما في نفسها ، ويكون ذلك بعدم الخروج من البيت عندما تكون في حالة نفسية سيئة قد تبدو لمن يراها من أهلها ..
وعادة تمر مثل هذه المواقف وتنتهي مع مرور الأيام ، وتنتهي ساعة الإنفعال ، ويعود ال! صفاء بين الزوجين .
فهنا الزوجة قد ارتكبت خطأ في إظهار شعورها بالإمتعاض من مزاح زوجها أمام أمها ، فلا فائدة بعد ذلك من أي محاولة منها لإخفاء وجود خلاف أسري بينها وبين زوجها ، بعد أن شاع أمره .
2- أخطات بتعريض زوجها لموقف محرج أمام والدها وأهله ، ومعرفتهم سبب الخلاف الذي حدث بينهما، ونقل مزاحه معها لمجلس عام ، وتقليل مكانته أمام أهله وأهلها ، وإظهار عجزه المادي وعدم استطاعته دفع مبلغ باهض كالذي طلبه والدها .
يجب أن تعلم المرأة أن كرامتها من كرامة زوجها ، وأي انتقاص له – ولو كان من جانب أهلها – هو انتقاص لها ، ومجرد تعريض زوجها لموقف يقلل من قيمته ومكانته أمام الآخرين – مهما كانت درجة قرابتهم لها أو له – هو أمر يؤثر في مكانته وقدره أمامها هي بالدرجة الأولى ، ومن ثم أمام أبنائها .
يجب أن تكون الزوجة ستر وغطاء لأخطاء زوجها ، وأن تحرص على إظهاره بأجمل صورة ، وأكملها في عيون الناس .
لا تشعر المرأة بالفخر ، إلا من فخرها برجلها .
وأي عيب تكشفه للناس عنه ، أمر يعيبها هي أولاً وأخيرا ثم يعيب أبنائها ، فهم من يحملون اسمه ، وهي .. ! ( أم .. فلان الفلاني ) !
3- الزوجة أخطات أيضاً عندما بالغت في ردة فعلها الإنفعالية لمزاح زوجها ( سعود ) .
فلو أنها أخذت ما يقوله لها على محمل حسن النيـة ، وتقبلته بروح التسامح ، بل وحاولت أن تجاريه في مزاحه لها :
( دفعت فيك ريال ، كقيمة علبة الببسي ) ، بأن ترد عليه بضحكة صافية ومجاملة وتقول :
( بل .. أنا لك .. كأس من الماء البارد ، لـتائه ٍ في الصحراء في عز حر الصيف ، فقـل لي كم يبلغ ثمنه ؟ ) .
هذه العبارة ، تساعد في إحداث نوع من المرح وتلطيف الجو بين الزوجين ، وتخفيف حدة توتر الموقف ، وتساعد الزوجة بالدرجة الأولى على كظم غيظها ، وإفراغ شحنة غضبها ، وتحافظ على العلاقة الحميمة بينها وبين زوجها ، دون جرح مشاعره ، أو تصعيد الموقف بدون مبرر .
أو تقول مازحة هي كذلك ، عبارة طريفة تطفئ غيظها منه – إن وجدته في نفسها – :
( ما رأيك أن أرجع لك الريال لتستثمره وتنميه ، ليكون مهراً محترماً ، لإبنك عندما يكبر ؟ ) .
ستجعل هذه العبارة الزوج ( سعود ) يفكر ملياً في ما فعله والد زوجته ، ويقدّر له ولها تنازلهما ع! ن دفع مهر مرتفع ، مما جعله يبني حياته الزوجية بدون أن يتعرض لضغوط الديون والإقتراض .
و سوف يشعر بمدى المسؤولية التي سوف يواجهها في إحصان إبنه مستقبلاً ، ومساعدته مادياً في تكوين أسرة ناجحة كأسرته .
إذاً الزوجة الناجحة ، عليها أن تقلب كل موقف خلافي بينها وبين زوجها إلى صالح كفة استقرار حياتها الأسرية .
وهذا أحد معاني أن تكون المرأة سكناً للرجل .
أي تمتص كل خلاف زوجي ، وتوظف طبيعتها الأنثوية ، وسعة أفقها ، وذكائها ، وقدرتها التعبيرية في الكلام - والتي تتفوق فيها الأنثى على الرجل - في كسب محبة وتقدير الزوج .
ثالثاً : وهو الأهم ..الأب :
عندما تصدر الأخطاء من الزوجين في مقتبل حياتهما الزوجية ، عادة نرد هذا الأمر لصغر سنهما ، وافتقادهما للخبرة الكافية في حل مشاكلهما ، والتأقلم مع التغيير الذي حدث لكل ٍمنهما بعد الإنتقال من بيئة مختلفة ومحيط مختلف ، واجتماعهما في محيط واحد ، وهو بيت الزوجية .
هذه الأخطاء تكون متوقعة ، ومقبولة وسهل التعامل معها .
ولكن عندما يصدر خطأً من رجل كبير في السن ، له خبرة حياتية في الزواج ! ، وأدرك مع مرور الوقت والزمن - بحكم معاشرته للمرأة زوجته - طبيعة تكوينها العاطفي ، والحساسية المفرطة التي تميزها عن طبيعة الرجل .
هذا أمر لا يبرر له ما فعله من خطأ جسيم !
لعدة أسباب :
أولها : كان مما ينبغي على الأب ..
أن لا يستمع لشكوى الأم عن زوج ابنته .
وأن يطلب منها عدم التدخل في حياة ابنتها ، حتى لا تزيد مشاكلها سوءاً .
وأن تنصح ابنتها بالإحتفاظ بأسرار علاقتها الزوجية بينها وبين زوجها ..
وأن يحيّـد عاطفته الأبوية نحو ابنته ، ويلغي إحساسه بالمهانه التي تولدت تبعاً للمهانة التي تظن الفتاة أنها تعرضت لها ، فيحكم على الموقف بموضوعية تامة ، بأن يضع نفسه مكان زوج ابنته ( سعود ) ..
هل كان يقبل أن يتدخل أحد في حياته الزوجية ؟ وبغض النظر عمن يكون هذا الشخص ؟
ثانياً : لقد أخطأ الأب في تصعيد الموقف ، وذلك عندما أدخل أطرافاً جديدة من أهل الزوج ، ومن لا يعرف ملابسات نقطة الخلاف بين ابنته وزوجها ، وهذا لا شك يوسّع أي خلاف أسري ، ويجعله موضع حديث الآخرين ، مما يؤثر على إستقرار بيت الزوجية .
ثالثاً : أراد الأب أن يحفظ لابنته – كما يعتقد – كرامتها ، وذلك بأن يستبقيها في بيته ، وأن يرفض عودتها لزوجها دون دفع مبلغاً باهضاً من المال ، لرد اعتبارها أمام زوجها والآخرين !
ولكنه وضعها ، وربما وضع نفسه في موقف أكثر إهانة ، وكرامتها وكرامته - هو أولاً - في محك اختبار !
فماذا لو حدث التالي :
1- رفض الزوج ( سعود ) إرجاع زوجته بهذا الشرط ( دفع مبلغ 300 ألف ريال ) .
2- عجز الزوج ( سعود ) عن توفير هذا المبلغ .
3- رفض أو عجز أهل ( سعود ) توفيره .
ماذا سيكون موقف الأب ؟
وماذا ستكون ردّة فعل الفتاة ؟
- إما أن يصر الأب على بقاء ابنته في بيته حتى يحقق الزوج ( سعود ) ما اشترطه عليه لاستعادة زوجته .
- أو يحدث طلا ق بين الزوجين بسبب إصرار كل من الأب ، والزوج على موقفهما .
- أو يتنازل الأب عما اشترطه على الزوج ، عندما يرى حزن ! ابنته لانفصالها عن زوجها ، فيرسل لزوجها ليرجعها له .
وهنا لا تكون قيمتها ( ريال ) بل ( أقل من هللة ) .
- الأرجح في حالة الشخصية المتهورة التي تفتقد الحكمة كحال هذا الأب - أن يضاف عدد جديد إلى قائمة ( المطلقات ) والتي تزداد في المجتمع يوما بعد يوم . ويكون سبب الطلاق- هنا ( علبة بيبسي ).
والآن ..
كما عرفنا من الحكاية أن الزوجة عادت لزوجها بعد تعاون أهل ( سعود ) في تجميع المبلغ .
ولكني لو كنت مكان ( سعود ) - وهو الذي مازال بالتأكيد محتفظاً بطبيعته المزاحية – لقلت لها في أول لقاء يتم بيننا بعد الرجوع :
هلا والله .. في من هي أغلى من إعلان مدفوع في التلفاز .. لعـلبة الببسي .