بعد أن ذاقت مرارة الفقر في طفولتها
جزائرية تدير مطعما خيريا لإفطار عابري السبيل في رمضان
بعد أن ذاقت مرارة الفقر والعَوَز في طفولتها، قررت السيدة الجزائرية "فطومة عبد الله" (65 عاما) أن تكرس حياتها لمساعدة المحتاجين، خاصة في شهر رمضان، فتولت إدارة مطعما خيريا في أحد أحياء العاصمة لإفطار عابري السبيل طوال الشهر الفضيل.
وفي لقاء مع صفحة الأمل بموقع mbc.net تقول فطومة -وهي منهمكة في إعداد وجبات الإفطار لقاصدي المطعم الكائن في حي "حسين داي" الشعبي شرقي العاصمة-: "خلال شهر رمضان أزداد حيوية، وأجتهد قدر المستطاع لاستغلال وقتي كله في عمل الخير، وحتى مشاغلي الخاصة فهي مؤجلة حتى انقضاء الشهر المعظم".
وعن برنامجها اليومي تقول فطومة: "أبدأ نشاطي في حوالي السابعة صباحا، حيث تكون أسواق الخضر والفواكه وِجهتي الأولى، لجمع كميات معتبرة من الخضروات والفواكه، التي يتبرع بها التجار للمطعم، ثم أتجه بعد ذلك إلى المطعم مباشرة، لتفريغ تلك السلع، التي يخصص جزء منها لإعداد وجبات الإفطار، وجزء لتجهيز قفة رمضان التي تقدم للعائلات المعوزة".
"ثم أعاود الكَرَّة –تقول فطومة- لكن هذه المرة بالتوجه نحو باعة المواد الغذائية، كي أجمع صدقاتهم، لأعود مجددا إلى المطعم، وهناك أتفق مع الفريق النسوي العامل معي على تحديد الأطباق التي نُعدها في ذلك اليوم".
مع الفقراء
وبعد نصف يوم مفعم بالمجهود والعناء في التنقل بين الأسواق الواقع معظمها على أطراف المدينة، تواصل فطومة أداء مهمتها المقدسة، من خلال مشاركة بناتها وحفيداتها وبعض المتطوعات، في إعداد وجبات الإفطار لعابري السبيل.
ولا تغادر فطومة غرفة تجهيز الطعام إلا قبل آذان المغرب بدقائق، ليس لكي تستعد لتناول وجبة الإفطار؛ ولكن لاستقبال المتوافدين على المطعم، مشيرة إلى أنها تحرص على استقبالهم بالابتسامات العريضة وتجاذب الحديث، حتى ترفع عنهم الحرج.
ومنذ بداية شهر رمضان تحرص "فطومة" على تناول وجبة الإفطار، إلى جانب الفقراء والمعوزين، الذين يقصدون المطعم المدشن بمبادرة من "المنظمة الوطنية لتواصل الأجيال" (منظمة أهلية).
300 وجبة
وبحسب فطومة مسؤول "المكتب الاجتماعي" للمنظمة فإن المطعم يقدم يوميا ما بين 250 إلى 300 وجبة إفطار، أكثر من 50 منها توزع على البيوت.
"وبعد الإفطار –تتابع فطومة- أدشن المرحلة الثانية من رحلتي اليومية؛ حيث تكون وِجهتي محلات الملابس لجمع ملابس العيد لأطفال العائلات الفقيرة، وكذا بعض الأدوات المدرسية، حيث إن المدرسة على الأبواب، والحمد لله فيه تجاوب كبير من التجار الذين يقبلون بشكل كبير على فعل الخير، ما جعلنا نؤمِّن ملابس العيد والأدوات لعدد معتبر من الأطفال، وهذا فضل من الله تبارك وتعالى".
وعن أنشطتها الخيرية خارج شهر رمضان تقول فطومة إن عملها في سائر الأيام يتركز على مساعدة "مرضى السرطان، القادمين من المدن البعيدة عن العاصمة؛ قصد العلاج، وذلك من خلال توفير المبيت لهم، والأدوية التي يحتاجونها، كما تخصص جزءا من وقتها لرعاية الأطفال المحرومين من الدفء العائلي.
أما بدايات مشوارها الخيري تشير فطومة إلى أنها دشنت هذه المسيرة قبل ثلاثين عاما عندما انخرطت في جمعية لرعاية الطفولة المسعفة.
غرس الخير
وردا على سؤال حول أحلامها تؤكد أن أمنيتها في هذه الحياة، أن تقدم أكبر قدر من المساعدات للفقراء والمحتاجين، خاصة وأنها واحدة ممن اكتووا بنار الفقر إبان الحقبة الاستعمارية، حيث اضطرت للعمل وسنها لا يتعدَ العشر سنوات، من أجل إعانة عائلتها المكونة من 12 فردا، كما تسعى إلى غرس خصلة حب الخير في نفوس أبنائها وأحفادها.
وبالفعل نجحت فطومة بشكل كبير في هذا الهدف، فابنتها وحفيدتها تطوعتا للعمل في المطعم، كما أن نجلها المقيم في فرنسا دوما يبعث لها الملابس والأدوية من أجل تقديمها للفقراء والمرضى، وحتى ابنتها المقيمة في بريطانيا انخرطت في العمل الخيري، من خلال تقديمها مساعدات لأبناء الجالية الجزائرية المقيمة هناك.