يسكن في سطح مسجد وسكان الحارة بنغالية
قرأت في وجهه العودة لطفولة بائسة يكسوها اضطراب أقرب للخوف منه للحياء.
كنت كلما اقترب منه أكثر أشعر بخوفه يزداد نحوي أكثر رغم ابتسامته البريئة التي أصبح يطلقها نحوي كلما حاولت الاقتراب منه أكثر وأكثر بهدف سؤالي عن ما يخفيه من آلام بدأت علاماتها تظهر جلية على وجهه البريء رغم أن عمره تجاوز التاسعة عشرة تقريباً.
يربطه بذلك المكان الذي اعتاد عقله الباطن أن يدفعه للتوجه إليه بعد مغرب كل يوم أو في الصباح الباكر علاقة حميمة ليس للقاء صديق أو صديقة أو عقد صفقة عمل أو طلب استشارة في صفقة أسهم، لكن ليشرب علبة (الحليب) التي اعتاد أن يعطيها إياه أحد العاملين بكبينة اتصالات عندما يشاهد ذلك (الضيف الصغير) يجلس أمام محله الذي يكتظ بالزبائن الذين عادة ما يحضرون ليجروا اتصالاتهم بأقاربهم داخل وخارج المملكة للاطمئنان على أحوالهم وتوفير متطلباتهم المعيشية!
أما الضيف الصغير فلا يبحث سوى عن (علبة الحليب).. لا يطلبها وإنما يجلس حتى تأتيه من صاحب (الكبينة) الذي عرف سر مجيء ذلك الزائر الغريب لدكانه وعندما ينتهي من شرب الحليب الذي تربطه فيه ذكريات الطفولة الجميلة قبل أن تصل حالته لما وصلت إليه اليوم ينهض ثم ما يلبث ذلك (الضيف) أن يختفي.
إلى أين؟ الجميع لا يعرف كل ما يعرفونه أنه يأتي لشرب الحليب ثم يختفي بعد ذلك.
لا تهم أحد قصته في ذلك المكان فالكل مشغول بحاله اليوم!! ساقني فضولي بعد مغرب ذلك اليوم أن أتتبع خطواته البريئة بعد أن حاولت أن أشاركه مشكلته وأعرض عليه خدماتي لكنه لا يجيبني سوى بابتسامته البريئة فبدأت أسير خلفه دون أن يشعر بوجودي وعند مسيره بأحد الممرات الضيقة وأمام عداد (الكهرباء) عند أحد المساجد توقف ظننته يبحث عن سر (النور) الذي يسببه ذلك الجهاز في إضاءة الشوارع والبيوت ظننته يبحث داخل ذلك الصندوق (عداد الكهرباء) عن بصيص أمل ينير له دربه ويحل له معاناته ويمكنه من الوصول إلى بر الأمان، لكنه ما لبث إلا أن تسلق ذلك (العداد) ليرمي بجسمه الناحل في (جحر مظلم) فوق سطح المسجد علمت فيما بعد من أحد العاملين بالسوق القريب منه المسجد أنه ينام فيه من عامين ولا يخرج حتى يشعر بالجوع(!) وعند رغبته في شرب الحليب .. فيخرج بملابس داخلية رثة وثوب شتوي يرتديه في فصل الصيف رغم شدة الحر لعدم إدراكه بأن فصول السنة أربعة. وفي صباح اليوم التالي عدت من جديد لأنتظر خروج صاحبنا ووجدتها فرصة لأعرف نعمة الله عليَّ وأؤدي الصلاة جماعة بالمسجد ولا يشغلني فضولي الصحفي عن تأخير الصلاة عن وقتها، فعقدت النية على أداء الصلاة في المسجد الذي ينام صاحب المعاناة في (سطحه) وكنت أول الجالسين في مقدمة الصف الأول وعندما حضر المؤذن والإمام وبعد أن فرغنا من أداء الصلاة سألتهم عن صاحب المعاناة الذي يقيم في سطح المسجد قال لي إمام المسجد إنه ينام هنا من عام وحاولنا مساعدته والبحث عن أسرته، لكن دون جدوى، فهو لا يتحدث مع أحد فقط يأتي لينام في سطح المسجد وبما أن المسجد يغلق أبوابه بعد أداء الصلاة إلا أنه أصبح يتسلل خفية من فوق السور ويدخل لينام في سطح المسجد ويضيف إمام المسجد: قمنا بإبلاغ الجهات الأمنية عنه وتم أخذه لكنه بعد أيام عاد من جديد لينام هنا.
تجولت في الشارع القريب من المسجد لأجد من أسائله عن حكاية الشاب الغريب وكانوا جميعهم من الجنسية البنغالية والهندية والباكستانية والذين انشغلوا بتجارتهم وأعمالهم الخاصة ولم يعطوني أي إجابة سوى أنهم يسمعون أصواتا غريبة تصدر من سطح المسجد في أوقات متأخرة من الليل توحي عن معاناة هذا الشاب المسكين الذين وصفوه بالجنون. عند هذا الحد تركت موضوع (عاشق شرب الحليب) للمسئولين في وزارة الشؤون الاجتماعية لدراسة حالته وتوفير الخدمة المناسبة له والبحث عن أسرته وللاستفسار جوال المحرر مناحي الشيباني